تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وممّا يجبُ معرِفَتُها على النّاهِضِ لمُقَارَعَتِهِمْ أن يعلمَ: إنّ دينَ التصوُّفِ يأمر بأشياءَ كثيرةٍ قد أمرَ بِها الإسلامُ قبلَ هذا الدّينِ المستحدَثِ؛ كالزُّهدِ، والتّقوىَ، والعِفَّةِ، والقناعَةِ، والحِلمِ، وصفاءِ السَّريرَةِ، والاستقامةِ والكَرَمِ، والإيثارِ، ومحبَةِ اللهِ ومحبَّةِ رَسولِهِ والصالِحِنَ، وملاَزَمَةِ ذكر اللهِ، والمواظبةِ على النوافِلِ، والشَفَقَةِ على خَلقِ اللهِ، والصَّبرِ، والتَّوَكُّلِ على اللهِ، إلى غيرِ ذلِكَ من الخصالِ الحميدةِ، والأعمالِ الصَّالِحَةِ، والسُّلوُكِ الرَّفيعِ. فليتأكّد المناهضُ لهم بأنّهم يتوارونَ بهذه الأعمالِ والخصالِ في ظاهرهم، ويدافعونَ بِها عن أباطيلِهم.

أمَّا في الواقِعِ فإنَّ هذه الأمورَ كلَّها جُزئِياتٌ من صميم الإسلامِ، وليس لها ادنى صلة بدين التصوُّفِ ولا بالطُّرُقِ الصوفيةِ التي هي في الحقيقةِ مُنظَّماتٌ مشبوهةٌ مُختَلِفَةٌ ذاتُ عَقَائِدَ مَزيجَةٍ بين تعاليم الإسلامِ والأديانِ الوثنيةِ. ذلكَ، أنّ الصوفيةَ قد أقتبسوا مفاهيمَ كثيرةًً من الإسلامِ فاستغلّوها، وتقمّصوا بها عن حظِّ نفسِ، ثمَّ أضافوا إليها ما ليسَ من الإسلامِ في شيءٍ، واختلقوا طقوسًا ومفاهيمَ ومُعتَقَدَاتٍ ما أنزل الله بها من سلطانٍ. كحلقاتِ الّذكرِ، وحَفَلاتٍ سرِّيةٍ (بالسمِ التوجُّهِ والصحبةِ)، ومناسِكَ دَجَلِيَّةٍ مُقَلَّدَةٍ من مناهلِ الشرك والوثنيةِ، (كَرَابِطَةِ الشَّيخِ، وعَدِّ الأذكارِ بالحَصىَ)، واستِعرَاضاتٍ غريبةٍ (كالسّماعِ، والرقصِ، والحركاتِ الموزونَةِ جماعةً وَفُرَادىَ، والعزفِ على آلاتِ الموسيقى، والترنُّماتِ المطربةِ، وطعن الأسياخِ في الجسمِ، وابتلاعِ الموادِّ القاطعةِ، كالزجاجِ وقِطَعِ الأمواسِ، ومَسِّ النَّارِ) ... ولهم أحوالٌ، وأقوالٌ، وأطوارٌ، وَبِدَعٌ مثيرَةٌ كالوثبِ، والقفزِ، والشطحاتِ، ودعوى علم الغيبِ واعتقادِ ذلك في المتنسِّكينَ والمتزمّتينَ من أولياءهم، وقولهم بالمكاشفاتِ، والاتحادِ والحلوليةِ ...

كلُّ ذلكَ مأخوذةٌ من الزرادشتيةِ، والهندوكيةِ، والمانويةِ والغنوصيةِ وأمثالِها من الأديانِ المحرَّفةِ والعقائد الوثنيةِ، والفلسفةِ اليونانيةِ ... خاصَّةً فإنَّ لِكُلٍّ من اليهوديةِ والمسيحيةِ تأثيرٌ كبيرٌ على دين التصوُّفِ؛ وبذلكَ قد مزّج الصوفيةُ ضروبًا شتّى من الأباطيلِ بتعاليم الإسلامِ. خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا، ولكنهم لم يعترفوا بذنوبهم وما اقترفوا من جناياتٍ على الإسلامِ، بل أصرّوا دائمًا بأنّهم على الحقِّ وغيرهم على الباطل، قصدوا بذلِك أهلَ التوحيد الخالِصِ ومَن نهاهم عن الشركِ من أئمّةِ المسلمينَ، واعتمدوا على تأويل المتشابهاتِ من الآياتِ كما أشارت لهم أنفسهم، كتأويلهم لقوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. زعموا» أن في ذلكَ اشارةً إلى التوسُّلِ بالأولياءِ والاستمداد من روحانيّتم والتشفُّعِ بهم «(المائدة/35)، كذلك تأويلهم لقوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ. زعموا أنّ في هذه الآيةِ الكريمةِ اشارةً إلى اتخاذِ شيخٍ من الصوفيةِ والقيامِ برابطتِهِ، وهي شكلٌ من أشكالِ العبادةِ عندهم.

هكذا تجرّأوا على تأويل الآياتِ من كتاب اللهِ. فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا الله، وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُوْلُوا الألْبَابِ. فركّبوا منها دينًا سمّوه التصوّفَ، ورتّبوا منها طرقًا متباينةً، فسقوا بها الناسَ السّمَّ في العسلِ.

هذا وليس من السهلِ لأحدٍ أنْ ينتبِهَ إلى هذه الحِيَلِ المتمثِّلَةِ في التصوُّفِ، ولا أن يكافحَ هذا الخطر الذي يتربّصُ بالمسلمينَ ليَجرِفَهم إلى جهنّمَ وهم يصلّونَ ويصومونَ ويتنفّلونَ ويتبتّلونَ ويذكرونَ اللهَ!!! إلاَّ إذا كان الله قد أقدَرَهُ على ذلكَ وألهَمَهُ رُشْدَهُ، وهداهُ إلى الحقِّ، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.

فريد صلاح الهاشمي

Feriduddin AYDIN

[email protected]

الطبعة النانية -2003م.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير