تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهل رأيت أو سمعت بأضعف من هؤلاء تميزا، وأكثر منهم جهلا، وأزيف منهم رأيا! يا لله العجب يعادون خير عباد الله وأنفعهم للدين، الذي بعث به رسول الله صلىالله عليه وآله وسلم، وهم لم يعاصروهم، ولا عاصروا من أدركهم، ولا أذنبوا اليهم بذنب، ولا ظلموهم في مال، ولا دم ولا عرض، بل صاروا تحت أطباق الثرى وفي رحمة واسع الرحمة منذ مئات السنين. وما أحسن ما قاله بعض أمراء عصرنا، وقد رام كثير من أهل الرفض أن يفتنوه ويوقعوه في الرفض: (مالي ولقوم بيني وبينهم زيادة على اثنتي وعشرة مائة من السنين). وهذا القائل لم يكن من أهل العلم بل هو عبد صيره مالكه أميرا، وهداه عقله الى هذه الحجة العقلية التي يعرفها بالفطرة كل من له نصيب من عقل، فان عداوة من لم يظلم المعادي في مال ولا دم ولا عرض، ولا كان معاصرا له حتى ينافسه فيما هو فيه، يعلم كل عاقل انه لا يعود على الفاعل بفائدة.

هذا على فرض انه لا يعود عليه بضرر في الدين، فكيف وهو من أعظم الذنوب التي لا ينجي فاعلها الا بعفو الغريم المجني بظلمه في عرضه؟!! – انظر عافاك الله – ما ورد في غيبة المسلم من الوعيد الشديد من انها ذكر الغائب بما فيه كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيانه لما ساله السائل عن ذلك ثم سأله عن ذكره بما ليس فيه جعل ذلك من البهتان، كما هو ثابت في الصحيح، ولم يرخص فيها بوجه من الوجوه.

وقد أوضحنا ذلك في الرسالة التي دفعنا بها (1) ما قاله النووي وغيره من جواز الغيبة في ست صور، وزيفنا ما قالوه تزييفا لا يبقى بعده شك ولا ريب، ومن بقي في صدره حرج وقف عليها، فانها دواء لهذا الداء الذي هلك به كثير من عباد الله سبحانه.

فاذا كان هذا حرام بيننا، وذنبا عظيما في غيبة فرد من أفراد المسلمبن الأحياء الموجودين، فكيف غيبة الأموات التي صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم النهي عنها بقوله: (لا تسبّوا الأموات فانهم قد أفضوا الى ما قدّموا) (2). فكيف اذا كان هؤلاء المسبوبين الممزقة أعراضهم المهتوكة حرماتهم هم خير الخليقة، وخير العالم كما قدمنا تحقيقه.

فسبحان الصبور الحليم.

فيا هذا المتجريء على هذه الكبيرة المقتحم على هذه العظيمة، ان كان الحامل لك عليها والموقع لك في وبالها هو تاميلك الظفر بأمر دنيوي، وعرض عاجل، فاعلم انك لا تنال منه طائل، ولا تفوز منه بنقير ولا قطمير.

فقد جربنا وجرب غيرنا من أهل العصور الماضية، أن من طلب الدنيا بهذا السبب الذي فتح بابه الشيطان الرجيم، وشيوخ الملاحدة من الباطنية والقرامطة والاسماعيلية تنكدت عليه أحواله وضاقت عليه معايشه، وعاندته مطالبه وظهر عليه كآبة المنظر، وقمائة الهيئة ورثاثة الحال، حتى يعرفه غالب من رآه أنه رافضي، وما علمنا بأن رافضيا أفلح في ديارنا هذه قط.

وان كان الحامل لك على ذلك الدين فقد كذبت على نفسك، وكذبك شيطانك وهوكذوب.


(1) – هي رفع الريبة عما يجوز وما لا يجوز من الغيبة – نشرت قديما ضمن مجموعة الرسائل المنيرة، ثم طبعت بتحقيق محمد خير رمضان يوسف فيما بعد.
(2) أحمد – البخاري – النسائي.
فان دين الله هو كتابه وسنة رسوله، فانظر هل ترى فيهما الا الاخبار لنا بالرضى عن الصحابة، وأ أنهم اشداء على الكفار، وأن الله يغيظ بهم الكفار، وأنه لا يلحق بهم غيرهم، ولا يماثلهم سواهم.
وهم الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، وأنفقوا بعده كما حكاه القرآن الكريم، وهم الذين جاهدوا في الله حق جهاده، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيله. وهم الذين قاموا بفرائض الدين، ونشرها في المسلمين، وهم الذين وردت لهم في السنة المطهرة المناقب العظيمة، والفضائل الجسيمة عموما وخصوصا. ومن شك في هذا نظر في دواوين الاسلام؛ وفيما يلتحق بها من السندات والمستدركات والمعاجيم، ونحوها فانه سيجد هنالك ما يشفي علله ويروي غلله ويرده عن غوايته، ويفتح له أبواب هدايته.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير