تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكان كُتاب الشيخ محمد سليم من أشهر الكتاتيب يقصده أهل القرية والقرى المجاورة، ومن أشهر الطلاب الذين جاءوا من بلادهم طلبا للعلم كان الشيخ عبد الباسط عبد الصمد. جاء من قرية بعيدة مترامية الأطراف تسمى "نجع حلية" بمركز أرمنت إحدى مراكز محافظة قنا، جاء به والده وعمره 13 عاما وأقام في القرية بديوان الضبع.

ويصف الشيخ البطيخي عبد الباسط فيقول: "كان الشيخ عبد الباسط جميل الوجه بهي الطلعة ترى على وجهه هيبة القرآن وكان من طبيعته ألا يجالس من هم أصغر منه إلا في كتاب القرية، فإذا خرج من الكتاب يذهب إلى دواوين القرية ليجالس الأعيان وزعماء العائلات، وكان يحفظ القرآن بشراهة ويواظب على المراجعة بجد واجتهاد، وكان عبد الباسط يقول: "أنا أقسو على نفسي وأتعب حتى أجيد الحفظ وأدرس العلوم الشرعية حتى أصبح قارئا على مستوى القطر وليس قارئا على القرافة".

أحب أهل القرية الشيخ عبد الباسط وتعهدوه بالرعاية المادية والمعنوية فمنهم من لقنه دروسا في اللغة العربية ومنهم من كان يعِيره كتب العلوم الشرعية، وكان يحفظ الكثير من كتاب العقد الفريد، وحفظ القرآن بقراءاته السبع حتى نال الإجازة العالية.

ويقول الشيخ البطيخي: "كان مستوى حفظ الشيخ عبد الباسط للقرآن وأبيات الشاطبية متميزا عن أقرانه وعندما كان يتردد على دواوين القرية كان يقرأ القرآن منذ طفولته بالتجويد، وكان صوته جميلا منذ صغره يلتف أهل القرية حوله ليستمعوا إليه ويعجبوا به أشد الإعجاب.

ويضيف الشيخ البطيخي: كان الشيخ عبد الباسط يرفض الحضور إلى الكتاب وأنا غائب حيث كان يرتل ويراجع معي ما عليه من واجبات للحفظ قبل أن يقرأ على الشيخ المنشاوي؛ لأن الشيخ كان لا يتهاون مع طلابه، فعندما كنت أغيب كان الشيخ عبد الباسط يأتي إلى منزلي ويسأل متى سأعود إلى الكتاب ثم يتلو علي ما حفظه فإن كان هذا الحفظ يرضيني يذهب إلى الشيخ سليم ليتلو عليه.

نفحات تصوف في صوت عبد الباسط

هنا عاش الشيخ عبد الباسط عبد الصمد

ويواصل الشيخ البطيخي قائلا: كان عمدة القرية محمد بك السنوسي إذا تكدر يطلب من عبد الباسط أن يتلو عليه ما تيسر من القرآن تجويدا أو تلاوة، وكان العمدة يقول: "إن صوت الشيخ عبد الباسط يجعل نفسي هادئة وأحس كأنني أستمع إلى مقرئ في الأزهر"، وكان خيري بك أبو الليل أحد أعيان أصفون يقول أيضا: "كلما سمعت هذا الصبي صاحب الصوت الساحر والنغم الحلو أزداد انجذابا لقرائته وأخشى على نفسي من حالة الجذب هذه التي تحدثها قراءته في نفسي".

ويستعيد الشيخ عبد الصبور البطيخي ذكرياته قائلا: رغم أن الشيخ عبد الباسط كان صغير السن فإن صوته كان يحدث أثرا كبيرا في نفسي ونفس كل من سمعوه، وذات مرة كان الشيخ العارف بالله أحمد أبو الوفا شرقاوي رحمه الله في إحدى زيارته لأصفون لإحياء المجلس الشرقاوي وطلب من الشيخ عبد الباسط قراءة وسيلة الشيخ الدردير المسماة "الصلوات" بصوته فلما انتهى دمعت عيناه وقال: "إن صوت هذا الصبي يحيي فيَّ روح التصوف فمن لا يشعر بشجن صوت الشيخ عبد الباسط ليس لديه عواطف إيمانية"، وأهداه خمسين قرشا.

من الحسين بدأت الشهرة

وعن بداية شهرة عبد الباسط روى لنا الشيخ البطيخي فقال: في شهر رمضان كان الشيخ عبد الباسط يحيي لياليه في دواوين القرية ولا يرد أحدا يطلب منه أن يقرأ له بضع آيات من القرآن، ثم بدأ بعدها في التنقل بين المحافظات، وفي إحدى المرات قرأ في مجلس المقرئين بمسجد الحسين بالقاهرة، وعندما جاء دوره في القراءة كان من نصيبه ربع من سورة النحل، وأعجب به الناس حتى إن المشايخ كانوا يُلوحون بعمائمهم وكان يستوقفه المستمعون من حين لآخر ليعيد لهم ما قرأه من شدة الإعجاب، ثم تهافت الناس على طلبه حتى طلبته سوريا ليحيي فيها شهر رمضان فرفض إلا بعد أن يأذن له شيخه.

ويضيف الشيخ عبد الصبور: كنا ذات مرة في زيارة إلى الحرم المكي وكان شيخ الحرم المكي في ذلك الوقت يقرأ من سورة البقرة إلى سورة الأنعام بقراءة ورش عن نافع فرتل قائلا: "وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا" وقرأ في الركعة الثانية: "إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا" فحرص الشيخ عبد الباسط على أن يقابله ليصحح له سهوه في القراءة، فقال له: كان ينبغي أن تقرأ وتقول: نبيئهم، بدلا من نبيهم، وأشد وطائا بدلا من أشد وطئا، فقد قرأت في الآية الأولى بقراءة حفص ولم تقرأ بقراءة ورش فأقره الشيخ على هذا السهو في القراءة وطلب منه أن يبقى في الحرم المكي معهم.

جلسنا ليلة كاملة مع الشيخ البطيخي رحمه الله يحكي لنا بعضا من ذكريات الكتاتيب والمقرئين، قد كانت ذكرياته تستحق التسجيل كاملة، ولكن ضاعت الفرصة ولم يبق منها إلا هذا الحوار .. رحم الله الشيخ البطيخي وغفر له ببركة القرآن الكريم.

http://www.islamonline.net/arabic/famous/2004/11/article01.SHTML

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير