تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال ابن كثير: (والحكمان كانا من خيار الصحابة وهما: عمرو بن العاص السهمي من جهة أهل الشام، والثاني أبو موسى عبدالله بن قيس الأشعري من جهة أهل العراق، وانما نصبا ليصلحا بين الناس ويتفقا على أمر فيه رفق بالمسلمين وحقن دمائهم، وكذلك وقع). واذا كان قرارهما الذي اتفقا عليه لم يتم فما في ذلك تقصير منهما فهما قد قاما بمهمتهما بحسب ما أدى اليه اجتهادهما واقناعهما ولو لم تكلفهما الطائفتان معا باداء هذه المهمة لما تعرضا لها ولا أبديا رأيا فيها، وكل ما تقدم ذكره في هذا المبحث عن موقعتي الجمل وصفين وقضية التحكيم هو الائق بمقام الصحابة فمو خال مما دسه الشيعة الرافضة وغيرهم على الصحابة في تلك المواطن من الحكايات المختلفة والأحاديث الموضوعة؛ ومما يعجب له الانسان أن أعداء الصحابة اذا دعوا الى الحق أعرضوا عنه وقالوا: لنا أخبارنا ولكم أخباركم ونحن حينئذ نقول لهم: سلام عليكم لانبتغي الجاهلين).

قلت: أما عن الحديث الذي رواه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار: (تقتلك الفئة الباغية) فالبغي هنا لا يلستلزم الفسق وخاصة ان كان صحبه متأولا.

قال شيخ الاسلام ابن تيمية في معرض كلامه على هذا الحديث: (قد تأوله بعضهم على أن الباغية الطالبة بدم عثمان، كما قالوا نبغي ابن عفان بأطراف الأسل، وليس بشيء بل يقال ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حق كما قاله، وليس في كون عمار تقتله الفئة الباغية ماينافي ما ذكرناه فانه قد قال الله تعالى: (وان طائفتان ----- بين أويكم) "الحجرات"- 10 ". فقد جعلهم مؤمنين، وليس كل من كان باغيا، أو ظالما، أو معتديا، أو مرتكبا ما هو ذنب فهو "قسمان" متأول، وغير متأول، فالمتأول المجتهد: كأهل العلم والدين، والذين اجتهدوا، واعتقد بعضهم حل الأمور، واعتقد الآخر تحريمها كما استحل بعضهم بعض أنواع الأشربة، وبعضهم بعض المعاملات الربوية وبعضهم بعض عقود التحليل والمتعة وأمثال ذلك، فقد جرى ذلك وأمثاله خيار السلف. فهؤلاء متأولون المجتهدون غايتهم أنهم مخطئون، وقد قال الله تعالى: (ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا) "البقرة: 286". وقد ثبت في الصحيح أن الله استجاب هذا الدعاء.

وقد أخبر سبحانه عن داود وسليمان عليهما السلام أنهما حكما في الحرث، وخص أحدهما بالعلم والحكم، مع ثنائه على كل منهما بالعلم والحكم، والعلماء ورثة الأنبياء، فاذا فهم أحدهم من المسألة مالم يفهمه الآخر لم يكن بذلك ملوما ولا مانعا لما عرف من علمه ودينه، وان كان ذلك مع العلم بالحكم يكون اثما وظلما، والاصرار عليه فسق، بل متى علم تحريمه ضرورة كان تحليله كفرا، فالبغي هو من هذا الباب.

اما اذا كان الباغي مجتهدا ومتأولا، ولم يتبين له أنه باغ، بل اعتقد أنه على الحق وان كان مخطئا في اعتقاده: لم تكن تسميته "باغيا " موجبة لاثمه، فضلا عن توجب فسقه، والذين يقولون بقتال البغاة المتأولين، يقولون: مع الأمر بقتالهم قتالنا لهم لدفع ضرر بغيهم، لا عقوبة لهم، بل للمنع من العدوان، ويقولون: انهم باقون على العدالة، لا يفسقون، ويقولون هم كغير المكلف، كما يمنع الصبي والمجنون والناسي والمغمى عليه والنائم من العدوان أن لا يصدر منهم، بل تمنع البهائم من العدوان، ويجب على من قتل مؤمنا خطأ الدية بنص القرآن مع أنه لا اثم عليه من ذلك) "الفتاوى"35/ 74،75، 76 ".

ثم قال: (ثم بتقدير أن يكون "البغي" بغير تأويل يكون ذنبا، والذنوب تزول عقوبتها بأسباب متعددة: بالحسنات الماحية، والمصائب المكفرة، وغير ذلك. ثم قال: (ان عمارا تقتله الفئة الباغية) ليس نصا في أن هذا اللفظ لمعاوية وأصحابه، بل يمكن أنه أريد به تلك العصابة التي حملت عليه حتى قتلته، وهي طائفة من العسكر، ومن رضي بقتل عثمان كان حكمه حكمها. ومن المعلوم أنه كان في المعسكر من لم يرض بقتل عمار: كعبد الله بن عمرو بن العاص، وغيره بل كل الناس كانوا منكرين لقتل عمار، حتى معاوية وعمرو) "الفتاوى – ص: 76، 77 ".

ثم قال: (والمقصود أن هذا الحديث لا يبيح لعن أحد من الصحابة، ولا يوجب فسقه) "الفتاوى: ص – 79 ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير