وكذلك قال أبو بكر بن هاني: لا تؤكل ذبيحة الروافض والقدرية كما لا تأكل ذبيحة المرتد، مع أنه تأكل ذبيحة الكتابي؛ لأن هؤلاء يقامون مقام المرتد، وأهل الذمة يقرون على دينهم، وتؤخذ منهم الجزية. وقال فضيل بن مرزوق: سمعت الحسن بن الحسن يقول لرجل من الرافضة: والله ان قتلك لقربة الى الله، وما امتنع من ذلك الا بالجواز، وفي رواية قال، رحمك الله، قذفت، انما تقول هذا تمزح، قال: لا، والله ما هو بالمزاح ولكنه الجد، قال: وسمعته يقول: لئن أمكننا الله منكم لنقطعنّ أيديكم وأرجلكم. وصرح جماعات من أصحابنا بكفر الخوارج المعتقدين البراءة من علي وعثمان، وبكفر الرافضة المعتقدين لسب جميع الصحابة الذين كفروا الصحابة وفسقوهم وسبوهم.
وقال أبو بكر عبد العزيز في المقنع: فأما الرافضي فان كان يسب فقد كفر فلا يزوّج.
ولفظ بعضهم وهو الذي نصره القاضي أبو يعلي أنه ان سبهم سبا يقدح في دينهم وعدالتهم كفر بذلك، وان سبهم سبا لا يقدح – مثل أن يسب أبا أحدهم أو يسبه سبا يقصد بها غيظه ونحو ذلك - لم يكفر.
قال أحمد في رواية أبي طالب في رجل يشتم عثمان: (هذا زندقة، وقال في رواية المروزي: (من شتم أبا بكر وعمر وعائشة ما أراه على الاسلام). قال القاضي أبو يعلي: فقد أطلق القول فيه أنه يكفر بسبه لأحد من الصحابة، وتوقف في رواية عبد الله وأبي طالب عن قتله وكمال الحد، وايجاب التعزير يقتضي أنه لم يحكم بكفره. قال: فيحتمل أن يحمل قوله: (ما أراه على الاسلام) اذا استحل سبهم بأنه يكفر بلا خلاف، ويحمل اسقاط القتل على من لم يستحل ذلك، بل فعله مع اعتقاده لتحريمه كمن يأتي المعاصي.
قال: ويحتمل قوله: (ما أراه على الاسلام) على سب يطعن في عدالتهم نحو قوله: ظلموا، وفسقوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذوا الأمر بغير حق، ويحمل قوله في اسقاط القتل على سب لا يطعن في دينهم، نحو قوله: كان فيهم قلة علم، وقلة معرفة بالسياسة والشجاعة، وكان فيهم شح وحب للدنيا، ونحو ذلك، قال: ويحتمل أن يحمل كلامه على ظاهره فتكون في سابهم روايتان: احداهما يكفر. والثانية يفسق.
وعل هذا استقر قول القاضي وغيره، حكوا في تكفيرهم روايتين.
قال القاضي: ومن قذف عائشة رضي الله عنها بما برّأها الله منه كفر بلا خلاف.
وقال أيضا: (وعن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى (وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال: قلت لأبي: لو كنت سمعت رجلا يسب عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالكفر، أكنت تضرب عنقه؟ قال نعم، رواه أحمد وغيره. وفي رواية قال: قلت لأبي: لو أتيت برجل يسب أبا بكر ما كنت صانعا؟ قال: أضرب عنقه، قلت: فعمر؟ قال: أضرب عنقه.
وروى الحكم بن حجل قال: (سمعت عليا يقول: لا يفضلني أحد على أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما الا جلدته حد المفتري).
وعن علقمة بن قيس قال: خطبنا علي رضي الله عنه: (أنه بلغني أن قوما يفضلونني على أبي بكر وعمر، ولوكنت تقدمت في هذا لعاقبت فيه، ولكن أكره العقوبة قبل التقدم، ومن قال شيئا من ذلك فهو مفتر عليه ما على المفتري خير الناس كان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر).
وروى الامام أحمد باسناد صحيح عن ابي ليلى قال: (تداروا في أبي بكر وعمر، فقال رجل من عطارد: عمر أفضل من أبي بكر، فقال الجارود بل أبو بكر أفضل منه، قال: فبلغ ذلك عمر، قال: فجعل يضربه ضربا بالدرة حتى شغر برجله، ثم أقبل الى الجارود فقال: اليك عني، ثم قال عمر: أبو بكر كان خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في كذا وكذا، ثم قال عمر: من قال غير هذا أقمنا عليه ما نقيم على المفتري).
فاذا كان الخلفتان الراشدان عمر وعلي رضي الله عنهما يجلدان حد المفتري من يفضّل عليا على أبي بكر وعمر، أو يفضّل عمر على أبي بكر – مع أن مجرد التفضيل ليس فيه سب ولا عيب – علم أن عقوبة السب عندهما فوق هذا بكثير.
فصل في تفصيل القول في سب الصحابة
أما من اقترن بسبه دعوى أن عليا اله، أو أنه كان هو النبي وإنما غلط جبرائيل في الرسالة؛ فهذا لا شك في كفره، بل لا شك في كفر من توقف في تكفيره.
¥