وكذلك من زعم أن القرآن نقص منه آيات وكتمت، أو زعم أن له تأويلات باطنة تسقط الأعمال المشروعة، ونحو ذلك، وهؤلاء يسمون القرامطة والباطنية ومنهم التناسخية، وهؤلاء لا خلاف في تكفيرهم. وأما من سبهم سبا لا يقدح في عدالتهم ولا في دينهم – مثل وصف بعضهم بالبخل، أو الجبن أو قلة العلم، أو عدم الزهد، ونحو ذلك – فهذا هوالذي يستحق التأديب والتعزير ولا نحكم بكفره بمجرد ذلك، وعلى هذا يحمل كلام من لم يكفرهم من أهل العلم.
وأما من لعن وقبح مطلقا فهذا محل الخلاف فيهم؛ لتردد الأمر بين لعن الغيظ ولعن الإعتقاد.
وأما من جاوز ذلك الى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفر قليل لا يبلغون بضعة عشر نفسا، أو أنهم فسقوا عامتهم، فهذا لا ريب أيضا في كفره، لأنه كذب لما نصه القرآن في غير موضع: من الرضى عنهم والثناء عليهم، بل من يشك في كفر مثل هذا فان كفره متعين، فان مضمون هذه المقالة أن نقله الكتاب والسنة كفار أو فساق، وأن هذه الآية التي هي: (كنتم خير أمة …) [آل عمران: 110] وخيرها هو القرن الأول، كان عامته كفاراً أو فساقاُ، ومضمونها أن هذه الأ‘مة شر الأمم، وأن سابقي هذه الأمة هم شرارها، وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام.
ولهذا تجد عامة من ظهر عليه شيء من هذه الأقوال، فإنه يتبين أنه زنديق، وعامة الزنادقة انما يستترون بمذهبهم، وقد ظهرت لله فيهم مثلات، وتواتر النقل بأن وجوههم تمسخ خنازير في المحيا والممات، وجمع العلماء ما بلغهم في ذلك، وممن صنف فيه الحافظ الصالح أبو عبد الله بن عبد الواحد المقدسي كتابه في النهي عن سب الأصحاب، وما جاء فيه من الإثم والعقاب.
وبالجملة فمن الأصناف السابة من لا ريب في كفره، ومنهم من لايحكم بكفره، ومنهم من تردد فيه).
وعن علي أنه بلغه أن ابن السوداء تنقص أبا بكر وعمر فدعا به وبالسيف فهمّ بقتله فكلّم فيه فقال: (لا يساكني بلداً أنا فيه، فنفاه الى الشام) " اللالكائي [7/ 1336].
وعن المغيرة قال: (تحول جرير بن عبد الله وحنظلة وعدي بن حاتم من الكوفة الى قرقيسيا وقالوا: (لا نقيم ببلد يشتم فيه عثمان) " اللالكائي [7/ 1340] ".
وعن أبي وائل: (ان رجلا حرج على أم سلمة قوله فأمر عمر أن يجلد مائتي جلدة). "المصدر السابق ".
وعن عبد الله بن الحسن يعني ابن ابن الحسين بن علي بن أبي طالب قال: (ما أرى رجلاً يسب أبا بكر رضوان الله عليه يتيسر له توبة) " اللالكائي [7/ 1343] ".
وروى ابن أبي العوام أن رجلا سأل أبا يوسف فقال: (يا أبا يوسف يذكرون عنك أنك تجيز شهادة من يشتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على التأويل، فقال: ويحك هذا أحبسه وأضربه حتى يتوب) " أصول الدين عند الامام أبي حنيفة ل [ً: 554] ".
وكان عمر بن محمد بن رجاء العبكري ادا مات رجل من الرافضة فبلغه أن بزازاً باع له كفنا، أو غاسلا غسله، أم حاملا حمله هجره على ذلك. وكان لا يكلم رافضياً الى عشرة " طبقات الحنابلة [2/ 56 – 57] ".
كان مهيار بن مرزويه مجوسيا فأسلم وانتحل التشيع وأخذ في سب الصحابة فقال له ابن برهان رحمه الله: (انتقلت بإسلامك في النار من زاوية الى زاوية، كنت مجوسيا، فصرت تسب الصحابة في شعرك) " السير [17/ 472] ".
ومن امواقف المشرفة أيضا الإمام أبي الأحوص سلام بن سليم [ت 179] قال أحمد العجلي: (كان ثقة صاحب السنة واتباع، وكان إذا ملئت داره من أصحاب الحديث قال لإبنه أحوص: يا بني قم فمن رأيته في جاري يشتم أحدا من الصحابة فأخرجه، ما يجيء بكم إلينا؟).
وقال ابن حجر الهيتمي: أجمع القائلون بعدم تكفير من سب الصحابة على إنهم فساق).
قال النووي: (قال القاضي وسب أحدهم من المعاصي الكبائر ومذهبنا مذهب الجمهور أنه يعزر ولا يقتل، قال المالكية يقتل) " شرح مسلم [16/ 93] ".
¥