قال الحافظ: (إختلف في سابّ الصحابي، فقال عيّاض: ذهب الجمهور الى انه يعزر، وعن بعض المالكية يقتل، وخص بعض الشافعية ذلك بالشيخين والحسنين فحكى القاضي حسين في ذلك وجهين وقواه السبكي في حق من كفّر الشيخين، وكذا من كفر من صرّح النبي صلى الله عليه وسلم بإيمانه أو تبشيره بالجنة إذا تواتر الخبر بذلك عنه لما تضمن من تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم " الفتح [44/ 7] ".
قال القاضي عياض: (وسب آل بيته وأزواجه وأصحابه صلى الله عليه وسلم وتنقصهم حرام ملعون فاعله) " الشفا [2/ 1106] ".
ثم قال: (وقد إختلف العلماء في هذا، فمشهور مذهب مالك في ذلك ألإجتهاد والأدب الموجع، قال مالك رحمه الله: (من شتم النبي صلى الله عليه وسلم قتل، ومن شتم أصحابه أدّب، وقال أيضا: من شتم أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أبا بكر أو عمر أو عثمان أو علي أو معاوية أو عمرو بن العاص فإن قال كانوا على ضلال وكفر قتل، وإن شتمهم بغير هذا من مشاتمة الناس نكّل نكالا شديدا.
وقال ابن حبيب: من غلا من الشيعة الى بغض عثمان والبراءة منه أدّب أدبا شديدا، ومن زاد الى بغض أبي بكر وعمر فالعقوبة عليه أشد، ويكرر ضربه ويطال سجنه، حتى يموت، ولا يبلغ به القتل الا في سب النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال سحنون: من كفّر أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم علي أو عثمان أو غيرهما يوجع ضربا.
وحكى أبو محمد بن أبي يزيد، عن سحنون: من قال في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي: إنهم كانوا على ضلالة وكفر وقتل، ومن شتم غيرهم من الصحابة بمثل ذلك نكّل النكال الشديد.
وروي عن مالك: (من سب أبا بكر جلد ومن سب عائشة قتل، قيل له: لم؟ قال: من رماها فقد خالف القرآن. وقال ابن شعبان عنه: لأن الله يقول: (يعظكم الله أن …) [النور: 17].
فمن عاد لمثله فقد كفر) " الشفا [2/ 1108] ".
واعلم أخي القارىء أنه ما استحق واستوجب سابّ الصحابة والطاعن فيهم هذه العقوبات الرادعة الا لأنه بطعنه هذا يطعن في الشريعة الغرّاء لأن الصحابة هم ناقلوها والذابون عن حياضها، والطعن في الناقل طعن في منقوله. ولهذا كانت الرافضة شر الطوائف وأخبث الفرق).
ورحم الله من قال: (… فضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلتين: سئلت اليهود؛ من خير أهل ملتكم؟ قالوا أصحاب موسى، وسئلت النصارى؛ من خير أهل ملتكم؟ قالوا: حواري عيسى، وسئلت الرافضة: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أمروا بالاستغفار لهم فسبّوهم، فالسيف عليهم مسلول الى يوم القيامة، لا تقوم لهم راية، ولا يثبت لهم قدم، ولا تجتمع لهم كلمة، ولا تجاب لهم دعوة، دعوتهم مدحوضة وكلمتهم مختلفة، وجمعهم متفرق. (كلما أوقدوا نارا …) [المائدة: 64].
وقال الملاّ علي القاري: وأما من سب أحداً من الصحابة فهو فاسق مبتدع بالإجماع، الا اذا اعتقد أنه مباح، أو يترتب عليه ثواب كما عليه بعض الشيعة، أو اعتقد كفر الصحابة؛ فإنه كافر بالإجماع، فينظر فإن كان معه قرائن حاية على ما تقدم من الكفريات و الا فاسق، وإنما يقتل عند علمائنا سياسة لدفع فسادهم وشرهم). " منهاج السنة [1/ 27 – 34] ".
وقال علي بن محمد بن علي الشوكاني في معرض بيان قبح وعظم جرم ساب الصحابة: (واعلم أن الأدلة من الكتاب والسنة قاضية بكفر فاعل ذلك، والعلة في ذلك أنه لما كان لهم منة على جميع الأمة وأن محبتهم وموالاتهم من الاتباع للرسول صلى الله عليه وسلم، وأتهم القائمون بالشريعة بالقتال والتحمل لها ونقلها الى سائر الأمة فمن أقدم على مثل هذا الجناب فقد اقترف كبيرة توجب عليه الكفر، وإن كان باقيا على سائر أركان الإسلام فإن من الأعمال محبطا لها ولا تكون لها معه عبرة وهذا منها لما دلت عليه الأدلة …) " القول الشافي السديد في نصح المقلد وإرشاد المستفيد [ص:53].
¥