أما الحديث الذي ورد فيه: ((لا أشبع الله بطنه)) فليس فيه طعن في معاوية رضي الله تعالى عنه
قال الألباني: ((وقد يستغل بعض الفرق هذا الحديث ليتخذوا منه طعناً في معاوية رضي الله عنه، وليس فيه ما يساعدهم على ذلك؛ كيف وفيه أنه كان كاتب النبي صلى الله عليه وسلم؟!.
ولذلك قال الحافظ ابن عساكر: ((انه أصح ما ورد في فضل معاوية)).
والظاهر أن هذا الدعاء منه صلى الله عليه وسلم غير مقصود بل هو مما جرت به عادة العرب في وصل كلاهما بلا نية؛ كقوله صلى الله عليه وسلم في بعض نسائه: ((عقرى حلقى)) و ((تربت يمينك))، وقوله في حديث أنس الآتي: ((لا كبر سنك)).
ويمكن أن يكون ذلك منه صلى الله عليه وسلم بباعث البشرية التي أفصح عنها هو نفسه عليه السلام في أحاديث كثيرة متواترة؛ منها حديث انس بن مالك قال: ((كانت عند أم سليم يتيمة، وهي أم أنس، فراى رسول الله صلى الله عليه وسلم اليتيمة فقال: آنت هي؟ لقد كبرت لا كبر سنك، فرجعت اليتيمة الى أم سليم تبكي، فقالت أم سليم: مالك يا بنية؟ قالت الجارية: دعا علي نبي الله صلى الله عليه وسلم أن لا يكبر سني أبداً، فخرجت أم سليم مستعجلة تلوث خمارها – أي تلفه –
حتى لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالك يا أم سليم؟ فقالت يا نبي الله أدعوت على يتيمتي؟ قال: وما ذاك يا أم سليم قالت: زَعمَت أنك دعوت أن لا يكبر سنها ولا يكبر قرنها؟ قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: ((يا أم سليم أما تعلمين أن شرطي على ربي أني اشترطت على ربي فقلت: إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر، فايما أحد دعوت عليه من امتي بدعوة ليس لها بأهل أن يجعلها له طهوراً وزكاة وقربة يقربه بها منه يوم القيامة)). ثم أتبع الامام مسلم هذا الحديث بحديث معاوية وبه ختم الباب، إشارة منه رحمه الله الى أنها من باب واحد، وفي معنى واحد فكما لا يضر اليتيمة دعاؤه صلى الله عليه وسلم عليها – بل هو لها زكاة وقربة – فكذلك دعاؤه صلى الله عليه وسلم على معاوية.
وقد قال الامام النووي في " شرحه على مسلم " [2/ 325 طبع الهند]: وأما دعاؤه على معاوية ففيه جوابان، أحدهما: أنه جرى على اللسان بلا قصد.
والثاني: أنه عقوبة له لتأخره، وقد فهم مسلم رحمه الله من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقاً للدعاء عليه؛ فلهذا أدخله في هذا الباب، وجعل غيره من مناقب معاوية؛ لأنه في الحقيقة يصير دعاء له. وقد أشار الذهبي في " سير أعلام النبلاء " [9/ 171 / 2] الى هذا المعنى الثاني، فقال " قلت: لعل أن يقال هذه منقبة لمعاوية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: اللَّهم من لعنته أو سببته؛ فاجعل ذلك زكاة ورحمة ". واعلم أن قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر … "
إنما هو تفضيل لقوله تعالى {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} (الكهف:110).
وقد يبادر بعض ذوي الأهواء أو العواطف الهوجاء الى إنكار مثل هذا الحديث؛ بزعم تعظيم النبي عليه الصلاة والسلام، وتنزيهه عن النطق به ، ولا مجال الى مثل هذا الإنكار؛ فإن الحديث صحيح، بل هو عندنا متواتر، فقد رواه مسلم من حديث عائشة وأم سلمة، ومن حديث أبي هريرة وجابر، وورد من حديث سلمان وأنس وسمرة وأبي طفيل وأبي سعيد وغيرهم.
وتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم تعظيماً مشروعاً، إنما يكون بالإيمان بكل ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم صحيحاً ثابتاً وبذلك يجتمع الإيمان به صلى الله عليه وسلم عبداً ورسولاً، دون إفراط ولا تفريط؛ فهو صلى الله عليه وسلم بشر بشهادة الكتاب والسنة، ولكنه سيد البشر وأفضلهم إطلاقاً بنص الأحاديث الصحيحة، وكما يدل عليه تاريخ حياته صلى الله عليه وسلم وسيرته، وما حباه الله تعالى به من الأخلاق الكريمة والخصال الحميدة التي لم تكتمل في بشر إكتمالها فيه صلى الله عليه وسلم، وصدق الله العظيم إذ خاطبه بقوله الكريم: {وإنكَ لعلى خلق عظيم} (القلم: 4).
¥