تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والعجيب حقاً أن محمد عبده لم يكن حرجاً من اقتباس القوانين التشريعية الغربية، ما دام ذلك يحقق (الإصلاح في نظره) بل يقول العقاد – وهو من المعجبين به – إنه "علم أن المراجع العربية لهذه القوانين لا تعطيه الإحاطة الواجبة بتلك المبادئ في أصولها المأثورة عند فلاسفة التشريع الغربيين فشرع في تعلم اللغة الفرنسية" (35). كما أن إعجابه بالثقافة الغربية هو الذي جعله يبالغ في انتقاص الأزهر مطلقاً عليه لفظ "الإصطبل أو المارستان أو المخروب" ويحاول إصلاحه وإصلاح التعليم كله على الطريقة الغربية ويقول:

"إن كان لي حظ من العلم الصحيح ... فإنني لم أحصله إلا بعد أن مكثت عشر سنين أكنس من دماغي ما علق فيه من وساخة الأزهر وهو إلى الآن لم يبلغ ما أريد له من النظافة" (36).

لا شك أن الأزهر كان بحاجة إلى الإصلاح، ولكن الإصلاح الذي يريده الإنجليز – ومعهم الشيخ – كان من نوع آخر، لا سيما وأن شبح سليمان الحلبي يهدد كرومر كل حين (37).

وكان من أعظم خطط الإنجليز للقضاء على الشريعة الإسلامية إنشاء "مجلس شورى القوانين" الذي كانوا يحكمون مصر من خلاله، والذي قدم الشيخ له خدمات جليلة مما دفع المستشار القضائي الإنجليزي إلى رثائه في تقريره عن المحاكم لعام 1905 قائلاً:

ولا يسعني ختم ملاحظاتي على سير المحاكم الشرعية في العام الماضي بغير أن أتكلم عن وفاة مفتي الديار المصرية الجليل المرحوم الشيخ محمد عبده في شهر يوليه الفائت وأن أبدي أسفي الشديد على الخسارة التي أصابت هذه النظارة بفقده ... ".

إلى أن يقول:

"وفوق ذلك فقد قام لنا بخدمة جزيلة لا تقدر في مجلس شورى القوانين في معظم ما أحدثناه أخيراً من الإصلاحات المتعلقة بالمواد الجنائية وغيرها من الإصلاحات القضائية، إذ كان يشرح للمجلس آراء النظارة ونياتها ويناضل عنها ويبحث عن حل يرضي الفريقين كلما اقتضى الحال ذلك (!) وإنه ليصعب تعويض ما خسرناه بموته نظراً لسمو مداركه وسعة إطلاعه وميله لكل ضروب الإصلاح والخبرة الخصوصية التي اكتسبها أثناء توظفه في محكمة الاستئناف وسياحاته إلى مدن أوروبا (!) ومعاهد العلم ... " (38).

وقد يكون أخطر آثار محمد عبده التي تعد ركيزة من ركائز العلمانية في العالم الإسلامي إضعاف مفهوم "البراء والولاء، ودار الحرب ودار الإسلام" إذ كان الشيخ أعظم من اجترأ عليه من المنتسبين للعلماء، لا بتعاونه مع الحكومة الإنجليزية الكافرة فحسب، ولكن بدعوته الصريحة إلى موالاة الإنجليز وغيرهم – بحجة أن التعاون مع الكفار ليس محرماً من كل وجه – ودعوته إلى التقريب بين الأديان.

حقيقة أن الرأي العام الإسلامي قد ثار على بعض فتاوى الشيخ لتي أباح بها موالاة الكفار ولكن تأثيرها في الأمة لا شك فيه، لا سيما في تلك الفترة الحرجة التي تتميز بغبش الرؤية واختلاط المفهومات.

ويليها في الخطورة فتواه حول إباحة الربا بطريق صناديق التوفير معتمداً – كما يرى العقاد – على مفهوم الآية من أنه لا يحرم من الربا إلا الأضعاف المضاعفة!

وأخيراً فإن الشيخ – بقصد أو بدون قصد – قد أوجد القاعدة التي ارتكز عليها من يسمون دعاة الإصلاح (39) للتعلق بأذيال الغرب وإقصاء الإسلام عن توجيه الحياة، إذ ظلوا ينقضون عرى الإسلام عروة عروة حتى أن المعركة الآن أصبحت تدور ضد قانون الأحوال الشخصية وهو البقية الضئيلة من آثار الشريعة الإسلامية والميزة الاجتماعية التي تميز المسلم من غيره.

لم يكن محمد عبده علمانياً ولكن أفكاره تمثل بلا شك حلقة وصل بين العلمانية الأوروبية والعالم الإسلامي، ومن ثم فقد باركها المخطط اليهودي الصليبي واتخذها جسراً عبر عليه إلى علمانية التعليم والتوجيه في العالم الإسلامي وتنحية الدين عن الحياة الاجتماعية بالإضافة إلى إبطال العمل بالشريعة والتحاكم إلى القوانين الجاهلية المستوردة، واستيراد النظريات الاجتماعية الغربية، وهو ما تم جميعه تحت ستار "الإصلاح" أيضاً (40).

أما الجماهير الإسلامية فقد اتخذت أفكار الشيخ الإصلاحية مبرراً نفسياً لتقبلها للتغيير العلماني المتدرج في الدول العربية.

وقد صور محمد المويلحي في عمله الرائع "حديث عيسى بن هشام" شيئاً من ذلك على لسان أبطال الرواية، إذ يسأل أحدهم متعجبا" كيف ساغ للمصريين أن يأخذوا بقانون نابليون المخالف للشريعة؟ فيجيب الآخر بأن المفتي أقسم بالله أنه موافق للشريعة (41).) اه العلمانية .. نشأتها وتطورها و آثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة.

(39) من الإنصاف أن نذكر أن الشيخ ندم على طريقته فى الإصلاح مفضلا" عليها تطبيق التربية الفردية، انظر كتاب العقاد والإسلام في القرن العشرين": 147 .. (سفر / هامش)

ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[14 - 03 - 05, 06:37 م]ـ

أخواي أبا سهيل الجزري و أشرف بن محمد،

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته،،

لا داعي للحدة و علامات التعجب يا أخوة .. و كلام علمائنا على العين و الرأس .. فإن كان وصف محمد عبده بالإمام خطأ، فأنا لا أتمسك به .. و اغفروا لي زلتي.

و قد أديتم واجب النصيحة، فجزاكما الله خيرًا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير