تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والشيخ الإمام بذلك يقرر حقيقة متداولة في تراثنا الإسلامي الذي استفاد من المنهج القرآني في فهم الحقائق العقدية وتوقيف العقل عن الإيغال في اكتناه أسرارها الغيبية، وهو بذلك أيضا يلتقي مع التحولات الفلسفية التي شهدها الفكر الغربي مع كانط في تقريره عجز العقل عن اكتناه ما يسميه ب “النومين”، أو مع ما أشاعه الفكر الوضعي عند كونت من استحالة مبحث الماهية، حيث يقرر في كتابه “دروس في الفلسفة الوضعية” أن سؤال الماهية خارج قدرات العقل البشري، ضاربا مثالا على ذلك بمفهوم الجاذبية عند نيوتن الذي فسر به هذا الأخير الظاهرة الفلكية دون أن يحدد ماهية الجاذبية ذاتها.

قدرات اللغة

بل يتجاوز الشيخ الإمام بحث قدرات العقل البشري إلى بحث قدرات اللغة حيث يقول “فوضع اللغة لا تراعى فيه الموجودات بكنهها الحقيقي، وإنما تلك مذاهب فلسفية إن لم يضل فيها أمثلهم فلن يهتدي فيها فريق إلى مقنع، فما علينا إلا الوقوف عندما تبلغه عقولنا” (3) وهو موقف من اللغة يذكرنا بموقف برجسون عندما صنف الكينونة إلى مكانية وديمومة واعتبر منهج التقطيع والتجزيء العقلي والعلمي قاصرا على الطبيعة المكانية وأن منهج الحدس هو ما يليق بالديمومة، وإن اللغة بحكم نشأتها وطبيعتها التجزيئية لا تستقيم والإمساك بحقائق الديمومة.

وبناء على نقد قدرات العقل ونقد طبيعة اللغة يقرر الأستاذ الإمام في المحور الثاني وجوب النبوة والرسالة، إذ يقول: “لهذا كله كان العقل البشري محتاجا في قيادة القوى الإدراكية، والبدنية، إلى ما هو خير له في الحياتين، إلى معين وذلك المعين هو النبي” (4). فالنبوة والرسالة ضرورة لازمة لاستقامة الحياة البشرية واهتدائها، إذ بها تتم معرفة الخالق وما يريده منا، وما بعد الموت والحساب والجزاء ... الخ، فالوحي ضروري لسعادة الإنسان، لأن “العقل وحده ... لا يستقل بالوصول إلى ما فيه سعادة الأمم، من دون مرشد إلهي. كما لا يستقل الحيوان في درك جميع المحسوسات بحاسة البصر وحدها بل لابد معها من السمع لإدراك المسموعات مثلا. كذلك الدين هو حاسة عامة لكشف ما يشتبه على العقل من وسائل السعادات”. (5)

الجبر والاختيار

أما المحور الثالث ففيه يتناول الإمام محمد عبده مسألة الإنسان، والمنهجية التي يقارب بها محمد عبده الذات الإنسانية هي ذاتها من حيث المزاوجة بين العقل والنقل واعتمادهما معا في تقرير الحقائق والاستدلال عليها وإيضاح دلالاتها. ويعرض بمنهجه هذا بشكل خاص إشكالية الجبر والاختيار، فينتهي إلى ملحوظة تستدعي بطبيعتها الدليلين معا (النقلي والعقلي) حيث يرى أن الإنسان يستشعر في قرارة نفسه إرادة في الفعل والترك، فيفعل أحيانا ويتوقف أحيانا أخرى باختياره، كما يستشعر في مواقف أخرى عجزه عن الفعل وضعف طاقته وحصول حوادث خارجة عن إرادته. الأمر الذي يكشف أن حرية الإنسان محدودة وغير مطلقة، واقتداره على الفعل محدود وغير مطلق.

وتأسيسا على كل ذلك يخلص محمد عبده إلى الأخذ بنظرية الكسب الأشعرية فيؤكد أن الإنسان يحاسب على أفعاله فيما هو مقتدر فيه على الاختيار وله عليه إرادة. غير أنه في الوقت ذاته ليست له إرادة مطلقة.

لكن يستدرك الأستاذ الإمام بالتنبيه إلى أن مسألة القضاء والقدر هي في حقيقتها فوق إمكانات العقل البشري ولا يمكن أن ينتهي فيها إلى حل عقلي يستوعب جميع إشكالاتها ويجيب عليها، ولذا فالمسلك المنهجي الصحيح هو استحضار الوحي، وعدم الإيغال بالعقل في بحث القضاء والقدر لأنه فوق إمكانات التفكير ..

...

الهوامش

1 - محمد الكتاني “جدل العقل والنقل في مناهج التفكير الإسلامي” ج،2 دار الثقافة، الدار البيضاء، ط،1 1421 - ،200 ص 171.

2 - محمد عبده “رسالة التوحيد” ص 51.

3 - “رسالة التوحيد” ص 57.

4 - “رسالة التوحيد” ص 51.

5 - رسالة التوحيد ص 82.


ـ[متسائل1]ــــــــ[15 - 03 - 05, 04:54 م]ـ
كما أنقل لكم مقالة مخالفة لما سبق سطرها الشيخ الفاضل سليمان الخراشي

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير