تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[التثليث عقيدة شركية و ثنية]

ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[17 - 03 - 05, 11:42 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحديث حول التثليث من الموضوعات العسيرة على النصارى، و لنبدأ فيه بمقتطفات من عقيدة أثناسيوس: ((الإيمان الجامع هو أن نعبد إلها واحدًا في ثالوث، و ثالوثًا في وحدانية، ألا نخلط الأقانيم، و لا نفصل الجوهر، فإن للآب أقنومًا على حده، و للابن أقنومًا على حدة، و للروح أقنومًا آخر، و لكن لاهوت الآب و الابن و الروح القدس كله واحد، متساوو المجد أبديو الجلال معًا. . . الآب إله و الابن إله و الروح القدس إله، و لكن ليسوا ثلاثة آلهة بل إله واحد. . . الآب رب و الابن رب و الروح القدس رب، و لكن ليسوا ثلاثة أرباب بل رب واحد. . . الدين الجامع ينهانا عن أن نقول بوجود ثلاثة آلهة أو ثلاثة أرباب)).

و الحق أنه من خلال الكلام السابق يتضح للناظر وجود ثلاثة أشخاص على وجه الحقيقة في عقيدة النصارى وضوحًا بينًا .. و ذلك لأنهم نصوا على وجود و تميز كل واحد منهم على وجه الحقيقة .. أما الوحدانية فهي مجرد دعوى غير واضحة و هي غير المعقول في كلامهم؛ لأنهم زعموا أن الثلاثة واحد، و هذا لا يعقل!

و يصدق عليهم في كلامهم أنهم يعبدون ثلاثة آلهة و يجعلونها ضمن مسمى واحد و هو (الله) و بناءً عليه يعتقدون بأنهم موحدون .. و هذا منهم مجرد ذر للرماد في العيون، لأن ذلك لا يخرجهم من أن يكونوا مشركين يعبدون آلهة مع الله .. و هذا ما يحذره النصارى و يحاولون أن يدفعوه عن أنفسهم بدعوى وحدانية الله.

لكن العاقل يستطيع التمييز بين ما هو حقيقي و بين ما هو مجرد دعوى.

ثم ننتقل للسؤال الذي يطرحه النصارى أمام المسلمين: أي نوع من الوحدانية هي وحدانية الله؟

يقول د. هاني رزق الله في كتيب بعنوان (ما معنى أن يسوع المسيح هو ابن الله): ((اتخذ أحدهم مثلاً من الشمس ليقرب معنى الثالوث فقال إن الشمس على هيئة دائرة و هي مضيئة و لها حرارة و قد أخطأ هذا الشخص رغم اجتهاده، لأن الشمس لو رفعت عنها خاصية الحرارة لصارت ناقصة. أما في الثالوث المقدس (الآب و الابن و الروح القدس)، نجد أن الله الآب هو إله كامل، الله الابن هو إله كامل، الله الروح القدس هو إله كامل، و هم أقانيم ثلاثة داخل الجوهر الواحد و لا يمكن الفصل بينهم)).

(د. هاني رزق الله، ما معنى أن يسوع المسيح هو ابن الله ص8)

فها هم ثلاثة حقيقيين و كل من الثلاثة إله كامل حقيقي و تربطهم رابطة واحدة داخل هذا الكيان المسمى (الله) .. و هذا ينقلنا للب الموضوع: إن الوحدانية التي يقصدها النصارى ليست هي التوحيد الذي يعتنقه المسلمون و الذي فيه أن الله واحد على وجه الحقيقة، بل هم يؤمنون بوحدانية لا تمنع التعدد على سبيل الشركة بين الآلهة .. فالآلهة متشاركة في (وحدة) كما الأسرة عبارة عن وحدة تضم أفرادًا متعددين.

في كتاب قيم اسمه (إله واحد رب واحد روح واحد .. تفسير معاصر للإيمان الرسولي) كتبه هانز جورج لينك و ترجمه بهيج يوسف يعقوب و هو من مطبوعات مجلس الكنائس العالمي الذي يضم جميع الطوائف النصرانية، يقول المؤلف: ((و هذه الوحدة تسمو فوق كل وحدة أخرى ذات شكل حسابي أو منطقي خالص – إنها وحدة الـ koinonia ( الشركة) فإن كلاً من وحدة و اختلاف الأقانيم الإلهية لها نفس القيمة في كل من مظهر و كيان الـ koinonia . . . فكل أقنوم من الأقانيم الإلهية يحيا حياة الأقنومين الآخرين، و هو لا يحيا مع الأقنومين الآخرين فقط، بل أيضًا من أجلهما، و الكنائس المحلية المتحدة أيضًا على نفس هذه الصورة ستعيش حياة الكنائس الأخرى، و تعيش كل الكنائس حياة بعضها، بينما تحتفظ كل كنيسة بمواهبها الخاصة)).

(هانز جورج لينك، إله واحد رب واحد روح واحد ص53)

فالله الواحد الذي يعبده النصارى ليس واحدًا حسابيًا ينافي التعدد كما يعتقد المسلمون، بل هو وحدة تتألف من عدة أفراد بينهم علاقات متواصلة، و لا داعي للتذكير بأن كل فرد من أعضاء هذه الوحدة هو إله تام كامل .. و على الكنائس أن تكون بينها وحدة على منوال وحدة الله.

يقول الكاتب في موضع آخر: ((يختلف تجاوب النص المعدل في (كريه بيرار) مع التحديات التي تثيرها اليهودية و الإسلام إلا أنه أشد وضوحًا من النصوص السابقة، باستخدامه لفكرة الوحدة المتميزة التي تجمع بين كل من السمو و التأصل، و حدة لا تمنع التعدد، على أن المناقشات التي قدمتها نصوص (كريه بيرار) و إن كانت أكثر فلسفة، إلا أنها تعني نفس المعنى الذي جاء في النصوص السابقة، أي أن وحدة الله معبر عنها في الشركة التي لا تنفصم بين الأقانيم الثلاثة)).

(المصدر السابق ص124 - 125)

و يقول كذلك: ((إن أقانيم الثالوث هي جزء مما يسميه (مولتمان): (شبكة اجتماعية) و أن الثالوث هو ثالوث اجتماعي، كل أقنوم فيه منفتح على الباقيين و معتمد عليهما. و هم يعيشون – بفضل محبتهم الأبدية – في بعضهم البعض، و يسكنون في بعضهم البعض لدرجة أنهم (واحد))).

(المصدر السابق ص135)

لا نرى أن هذه التصريحات البينة تحتاج لتعليق .. رغم هذا نكرر أن النصارى يعتقدون بثلاثة أقانيم حقيقية و كل أقنوم من هؤلاء الثلاثة إله تام و كامل .. و هذا شرك صريح لا نزاع فيه! .. و أن دعواهم في الله الواحد هي مجرد دعوى فموية ليس لها أي أساس من الواقع بل هي غير معقولة و تناقض التثليث صراحةً.

و النصارى بهذا المعتقد لا يخالفون فقط التوحيد الذي يعتنقه المسلمون، بل يخالفون اعتقاد جميع الرسل و الأنبياء، حتى كتب العهد القديم و العهد الجديد بين أيديهم تصرح بالتوحيد الحقيقي لله و ليس فيها أي ذكر للأقانيم أو الثالوث.

و الحمد لله على نعمة الإسلام.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير