وإن تعجب من الجيلي فيما ذهب إليه من إلحاد وزندقة فما وصفه به النبهاني أعجب ويدعو للحيرة والتوقف أمام هؤلاء القوم والتساؤل كيف يعظمون أقطابهم ويسكتون عن إلحادهم وزندقتهم، فقد مدح النبهاني كتاب الجيلي الذي أله فيه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في جواهر البحار (4/ 240): "فإن هذا الكتاب لا نظير له في معناه، ومؤلفه من أجلِّ الاولياء الذين أطلعهم الله تعالى على علو قدر حبيبه ومصطفاه".
عبدالحمن العيدروسي (ت 1135)
حيث زعم أن الله عزوجل بالغ في مدح نبيه صلى الله عليه وسلم حتى كاد أن يصرح بأنه هو. كما زعم أن الله عزوجل أخرجه عن حال الخلق ونفاه عنهم.
ونص كلامه الذي الذي ذكره النبهاني نقلا عن شرح الاول لصلاة أبي الفتيان أحمد البدوي صاحب المولد المشهور في الديار المصرية والذي يحج له سنويا أكثر من مليوني إنسان لحضور مولده، قال الميرغني:
"وأنظر يا أخي إلى غَيرة الحق تعالى على عباده بقوله لمحمد صلى الله عليه وسلم: {وإذا سألك عني عبادي فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني} البقرة آية (186)، فأعلمنا الحق تعالى أنه أقرب إلينا من أنفسنا ومن رسولنا الذي جعله واسطة في كل خير مع أنه تعالى بالغ في مدحه حتى كاد أن يصرح بأنه هو لكثرة ما وصفه بالكمال في نحو قوله تعالى {من يطع الرسول فقد أطاع الله} النساء آية (80)، وبقوله تعالى {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله} الفتح آية (10)، ومع ذلك قال {ليس لك من الامر شيء} آل عمران آية (128)، فأخرجه عن حال الخلق ونفاه عنهم". انظر جواهر البحار (2/ 382).
قلت: في كلام العيدروس سؤ أدب وتطاول على الذات الالهيه بوصفه بالمبالغة في وصف النبي صلى الله عليه وسلم، هذا دفع العيدروسي الى الكذب على الله في فهم النص القرآني بقوله أن الله كاد بأن يصرح بأن الله هو محمد، وأنه سبحانه أخرج نبيه عن حال الخلق ونفاه عنهم. ترى ماذا يكون صلى الله عليه وسلم، تعالى الله عما يزعم ضلال المتصوفة علوا كبيرا.
عبدالغني النابلسي (ت 1143):
صاحب كتاب تفسير الاحلام وغيره وله مؤلف في المولد النبوي ومما قاله في هذه العقيدة صراحة في رسالته حيث زعم النابلسي كذبا وزورا أن الله أخبر أن نبيه صلى الله عليه وسلم هو الله بناء على فهمه السقيم لقوله تعالى: {أن الذي يبايعونك انما يبايعون الله}، يقول النابلسي في ذلك:
"فقد أخبر تعالى أن نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم هو الله تعالى وتقدس، وبيعته بيعة الله، ويده التي مدت للبيعة هي يد الله تعالى كما سمعت من الاية الشريفة".
انظر شطح الولي (ص 194 ضمن كتاب شطحات الصوفية لعبدالرحمن بدوي).
قلت: ولم يكتف النابلسي بتأليه النبي محمد صلى الله عليه وسلم بل ذهب إلى أن موسى صلى الله عليه وسلم هو الله أيضا، بناء على فهمه السقيم لقوله تعالى: {وانا اخترتك لنفسي}، قال النابلسي:
"بأن تكون أنا وأكون أنا أنت ...... إلى أن قال: ثم أنه تعالى أخرجه من ذلك الطور وأرجعه إلى صبغته بالصورة الموسوية فقال له: {فاعبدني وأقم الصلاة لذكري}، أي لأجل هذا التذكر الذي تحققه مني بأنك أنت أنا وأنا أنت ... الخ". انظر شطح الولي (ص 195 ضمن كتاب شطحات الصوفية لعبدالرحمن بدوي).
قلت: لقد صرح النابلسي هنا بالكفر والكذب على الله فالله عزوجل لم يخبرنا أنه هو محمدا، وإنما أخبرنا أن مبايعة محمد صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية هي مبايعة له عزوجل.
ولو ذهبنا إلى هذا المفهوم السقيم الذي ضل من خلاله النابلسي لكان الحجر الاسود هو الله قياسا على ماسبق حيث جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنه صلى الله عليه وسلم قال: "يمين الله في الارض يصافح بها خلقه مصافحة الرجل أخاه يشهد لمن استلمه بالبر والوفاء".
انظر مصنف عبد الرزاق (5/ 39)، وأخبار مكة للفاكهي (1/ 88). وله شاهد ضعيف من حديث جابر رضي الله عنه ي الكامل (1/ 342) والخطيب في تاريخه (6/ 329).
وفي رواية:
"الحجر يمين الله في الارض فمن لم يدرك بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استلم الحجر فقد بايع الله ورسوله".
انظر أخبار مكة (1/ 88) وقد ضعف الازرقي هذه الرواية.
كما زعم النابلسي كذبا وزورا إلى أن الذي صلى على محمد صلى الله عليه وسلم هو محمد صلى الله عليه وسلم لأن صلاة العبيد عليه صدرت بأمر من صورة اسمه.
¥