تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

4 - قد يتكلّف العبد في الإستدلال لمن غلط من أهل العلم أو إظهار مستنده، والرواية لا تصحّ من جهة النّقل وقد قيل: إن كنت ناقلا فالصحة وإن كنت مدّعيا فالدليل، وعمله الإجرائي في هذا الموضوع الإحتجاج برواية الترمذي - رحمه اللّه- وقد ذكرها بصيغة التمريض.

5 - قال الدارمي - رحمه اللّه-:" وقد أجمعنا واتّفقنا على أنّ الحركة والنزول والمشي والهرولة والإستواء على العرش وإلى السّماء قديم، والرضى والفرح والغضب والحب والمقت كلّها أفعال في الذات للذات وهي قديمة، فكلّ ما كان من قوله كُنْ فهو حادث، وكلّ ما كان من فعل الذات فهو قديم ". الرد على بشر المريسي ص479، فالدارمي ـ رحمه اللّه ـ يتحدّث عن الصّفات القديمة لا عن النقول القديمة عن السّلف كما وَهِم من نقل، هذا وفي مقال الدارمي المذكور آنفا إعتراض ليس هذا محلّ بسْطه فلينظر مختصر الصواعق المرسلة لابن القيّم 2/ 257 - 258.

6 - قد يأتي النقل عن عالم من أهل السنة والجماعة بما يتوهّم مخالفة الأصول وليس كذلك، فمراد العالم بيان محلّ القضيّة لا نفي مستلزماتها أو توابعها، كمن ذهب إلى أنّ المراد من الهرولة هو كناية عن المجازاة بأفضل وأعظم ممّا يفعل العبد وقصده عبادات خاصّة لا يكون فيها العبد مهرولا على الحقيقة بل مهرولا قلبا لا قالبا وهو لا ينفي المعنى السلفي العتيق من إثبات الهرولة للّه عزّ وجلّ لكنّها عنده مخصوصة بعبادات من العبد تقتضي هرولة حقيقة كما في مشاعر الحجّ وساحات الجهاد في سبيل الله ونحوها ... فلكلّ هرولة منهما معنى معلوم يقابله الجزاء الإلهي عدلا وحكمة وأمّا الكيف في هرولة الرب فغير معلوم والسؤال عنه بدعة.

7 - من العجائب الإستدلال بما لا يجوز بحال من الأحوال، فكثيرا ما تصادفنا النقول في مواضيع الإيمان عمّن خالف أهل السّنّة والجماعة والإعتبار بتأويلاتهم أو الإعتداد بنقولاتهم، وكيف يفلح من كان الضلال له طريقا؟! والأولى مجابهتهم برفع شعار: " ماهذا بعشك يا حمامة فادرجي "، وإنّي لأعجب من سوقها وقد كسدت تجارتها، اللّهمّ إلاّ لبيان زغلها أو إظهار بطلانها والرد عليها.

8 - الإحسان يقتضي قرب العبد من ربه فيقرب الرب منه بإحسانه إليه لأنه تعالى يتقرب إلى من تقرب إليه فإنه من تقرب منه شبرا يتقرب منه ذراعا ومن تقرب منه ذراعا تقرب منه باعا فهو قريب من المحسنين بذاته ورحمته قربا ليس له نظير وهو مع ذلك فوق سمواته على عرشه فإنّ علوّه سبحانه على سمواته من لوازم ذاته فلا يكون قط إلاّ عاليا ولا يكون فوقه شيء البتة والذي يسهل عليك فهم هذا معرفة عظمة الرب وإحاطته بخلقه وأنه ليس كمثله شيء وأنه يمسك السموات والأرض أن تزولا فكيف يستحيل في حقّ من هذا بعض عظمته أن يكون فوق عرشه ويقرب من خلقه ويهرول كيف شاء وهو على العرش؟!

9 - هرولة الرب هرولة تقوم به بفعله القائم بنفسه تنفيه الكلابية ومن يمنع الأمور الإختيارية بذاته وأما السلف وأئمة الحديث والسنة فلا يمنعون ذلك، وهي دليل على حياة اللّه وقيّومته وعلى كمال مباينته لخلقه، كما أنّها تتضمّن معاني القرب، فالتحقيق في مقام التوفيق أنّ قرب الحقّ من الخلق وهرولة الربّ إثر مشي العبد يقع حقيقة وهما وصفان معلومان بلا كيف والجمهور يؤوّ لونها، وحديث الشيخين صريح في كون كلّ من المخلوق والخالق له فعل خاص يليق به فالعبد يمشي حقيقة والربّ يهرول حقيقة ومعلوم أنّ المشي غير القرب وإن كان من ضمن معانيه فقد يحدث القرب بالمشي وقد يحدث بالهرولة وقد يكون بفعل آخر وكلّما ثبت القرب بالمشي إلى اللّه من المؤمن ثبت قُرْب الهرولة من اللّه وعْدًا منه وصِدْقًا، وكما أنّ العقل يثبت فعل المشي للمخلوق لأنّه قادر على ذلك، فَلْيثبت فعل الهرولة للخالق لأنّه على كلّ شيء قدير، والعقل لا يستحيل عنده الفعلان.

10 - وهل تكون الهرولة من الربّ في مقابلة فعل المشي للعبد المؤمن والذي هو قربه إلى مولاه أم تحدث بفعل آخر من العبد أو بلا فعل أي ابتداء؟ الحديث الصحيح صريح في الإخبار عن الهرولة وأنّها لا تكون إبتداء من الربّ وإنّما مجازاة لفعل المشي من الطّائع وليست من لوازم فعل آخر، فمن العبد المؤمن فعل المشي ومن المعبود الحق الهرولة ـ ما أكرمه فما لكرمه حدّ ـ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير