تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الواجب في الكلام عن الحركة أو غيرها من الأفعال الإختياريّة بل في باب الأسماء والصفات عموما نفيا وإثباتا الرجوع إلى ما قاله اللّه ورسوله، فليس أعلم باللّه من اللّه وليس أعلم باللّه من الخلق من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأن لا يترك ذلك إلى قول من يفترون الكذب على اللّه ورسوله صلّى اللّه عليه وسلّم ويقولون على اللّه ما لا يعلمون ووجه ذلك أنّ الكلام إنّما تقصر دلالته على المعاني المرادة منه ويحدث فيه الإضطراب لأحد ثلاثة أمور:

1) إمّا لجهل المتكلّم وعدم علمه بما يتكلّم به.

2) وإمّا لعدم فصاحته وقدرته على البيان.

3) وإمّا لكذبه وغشه وتدليسه.

ونصوص الكتاب والسنة بريئة من هذه الأمور من كلّ وجه، فكلام اللّه وكلام رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم في غاية الوضوح والبيان كما أنّها - أي النصوص - المثل الأعلى في الصدق والمطابقة للواقع.

وبناء على ذلك فإنّ النصوص لم تثبت الحركة للّه كحركة في الوصف والفعل فلم يأت أثر ضعيف فضلا عن صحيح ينسب للّه الحركة أو النقلة، أو فيه أنّ اللّه يتحرّك أو يتنقّل، والمتعارف أنّ اللّه لا يثبت له إلاّ أكمل الأفعال فاستدللنا به على أنّ هذا الفعل غير كامل المعنى، لأنّه لو كان كذلك لأثبته اللّه لنفسه ووصف ذاته به فعُلِم بذاك أنّه ليس كاملا بل إنّه على الأقلّ يحتمل معنى باطلا وآخر حقّا إن لم يكن باطلا من أساسه.

لكن دلّت نصوص على أفعال إختياريّة يصنّفها العقل كحركة في الفعل مثل المجيء والإتيان والنزول والإستواء وهي دلالة على الحياة وإذا كانت كذلك واحتملت معنى حقّا صحيحا في نفسه وأثبتناه للّه على وجه الكمال فلا مانع منه، لكن شريطة أن يكون في مقام الردّ والإلزام للخصم لا في مجال تقرير الأصول لأنّ هذا الوصف وببساطة لا يأخذ صفة الكمال وإن كمّلناه، قال تعالى:) أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ (الرعد33.

فالكلام إذاً في الحركة من قبيل الكلام عن المجمل، والسكوت عن النفي أو الإثبات هو الصّواب إن شاء اللّه، حتّى يتبيّن المعنى المراد فنثبت المعنى الصحيح وننفي المعنى الباطل والإلتزام بالمعنى الشرعي العتيق هو الأولى في مقام التحقيق، قال تعالى:) هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ([آل عمران: 66].

وعليه فإن أراد السّائل إطلاق الحركة على النزول أو المجيء أو الإتيان وكلّها ممّا يثبت للّه تعالى فقوله صحيح لصحّة المعنى في نفسه لكن الأكمل والأصحّ إثبات النّزول كنزول والمجيء كمجيء والإتيان كإتيان وهكذا ... فنخبر عن اللّه كما أخبر عن نفسه فنقول: ينزل ويجيء ويأتي لا أن نقول يتحرّك أو يتنقّل، وكذلك من نفى الحركة أو النقلة على الإطلاق وأراد بالنفي هنا حاجة اللّه إلى الحركة أو النقلة كحاجة البشر لها في دفع ضرّ أو جلب نفع وصلاح فنفيه صحيح ولا يبدّع في هذا بل تبديعه من البدع إذ يتعالى الربّ أن ينتفع بشيء أو يضرّه شيء، وإن كان ينفي الحركة عن اللّه ومراده نفي النزول والمجيء والإتيان بما يليق باللّه على وجه الكمال فهو ضال مبتدع ومثله من أثبت النزول والمجيء والإتيان مفرَغا من المعنى نافيا الحدوث في الفعل بحيث صار عنده ينزل اللّه وكأنّه لا ينزل ويجيء وكأنّه لا يجيء ويأتي وكأنّه لا يأتي فليس هناك حركة كما هي في الذهن الخارجي فهذا أضلّ وأعرق في الضلالة لأنّه يعبد جمادا فعله وعدم فعله سواء، ولأنّه يظنّ أنّ اللّه يخبر بما ليس يقع وليست أخباره من قبيل الصّدق،) فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ([الأنبياء: 22]، واللّه يحدث من أمره ما يشاء،) يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ([الرحمن: 29].

وأخيرا بقي أن يقال ما المراد بقول الدارمي رحمه اللّه حين قال:" كلّها أفعال في الذات للذات وهي قديمة ". وقد مرّ هذا النقل أعلاه، و أراد السائل كشفه وفِطام غموضه، والجواب بعون الملك الوهّاب: أنّ مراده ـ واللّه أعلم ـ من قوله:" كلّها أفعال في الذات ". أي أنّ هذه الأفعال يقوم بها الربّ في ذاته لا في غيره ويوصف بها هو سبحانه وتعالى فهي أفعال تقوم به فلا هي من غيره ولا غيره قام بها ولا هي ممّا قامت بغير فاعل، فاللّه سبحانه وتعالى يجيء وينزل ويأتي ويقترب ويهرول حقيقة، أمّا قوله رحمه اللّه:" للذات وهي قديمة " فمقصوده ـ واللّه أعلم ـ أنّ هذه الأفعال الإختياريّة له سبحانه وهو الذي يتصف بها فليست غيره ولا هي مخلوقة فنسلبه صفاته ولا هي هو بل هي له وهي ممّا يستدلّ بها عن ذاته، وإذا كان سبحانه يحدث من أفعاله في وقت ما لا يحدثه في وقت آخر، فهو سبحانه لم يزل فعّالا يجيء ويهرول وينزل ويحدث من أفعاله ما يشاء فجنس الأفعال قديمة قدم ذاته تعالى وأمّا أفراد هذه الأفعال فحادثة لتعلّقها بالمشيئة وكمال القدرة، ولا يعتقد أنّ اللّه قد حصل له الكمال بعد أن كان متصفا بالنقص فهو سبحانه بصفات كمال الذات وصفات كمال الفعل كان في الأزل ولا يزال عليها للأبد وهو سبحانه وتعالى وإن لم يكن فاعلا في شأن ما، لا يخرج عن كونه فاعلا لقدرته على الفعل ولاستحالة وصفه بضدّ القدرة) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ([يس: 83].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير