تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الفصول والغايات ليس في محاذاة السوروالآيات]

ـ[ابن الشجري]ــــــــ[12 - 05 - 05, 12:24 ص]ـ

[الفصول والغايات ليس في محاذاة السوروالآيات]

إعلم هداني الله وإياك للحق من الجدل، وجنبنا مزالق القول والعمل، ووفقنا للقيام بالأمر الجلل، وجنبنا موقف المعرة والندم، ورزقنا حسن التأدب مع أزكى الكلم، وعصمنا من هذر القول مع فشو القلم.

أني لست في هذه المقالة بصدد التعريف بأبي العلاء،أو التصدي لترجمته أو الدفاع عنه فذاك من البلاء، فالحديث معه وعنه حديث طويل الذيل كبيرالنيل، ولاتلازم بين حبك لأدب أديب وما يعتقده أو ينتهجه في حياته، فمن يكابرويزعم أن مثل رهين المحبسين، ومصنف أخلاق الوزيرين، وصاحب التبيين ذو العينين الجاحظتين، ومن هو على شاكلتهم أو سار سيرتهم، ممن امتار الناس في أمرهم، وتباروا في حكمهم، لم يكونوا من أفراد الدهر وأذكياء الزمان، وكبار الكتاب وأساطين الأدب، حتى ملأو الدنيا وشغلوا الناس.

إن الحديث عن صاحب المعرة حديث ذو طعم خاص، وحقا إنك لتصاب بالذهول من قوة حافظته، وسعة علمه، و حدة ذكائه، وبليغ عبارته، وكثرة مصنفاته، حتى عد من أذكياء الدنيا، وفرسان الشعر* والأدب.

لقد كتب عنه الكثير، وطبعت بعض كتبه ورسائله في فترة متأخرة، وكان من بينها كتاب يتذرع به للطعن فيه وفي دينه، واتهامه بالإلحاد والزندقة لأمور كان من أعظمها هذا الكتاب، وما قيل حول سبب تصنيفه له، وهو كتاب (الفصول والغايات) بزعمهم أنه صنعه في محاذاة السور والآيات، وقد صدقت الأمر في أوله وقلت: والله لقد أتى عظيمة وبتك من القلائد نظيمة، وذكروا في ترجمته أنه قيل له: أين هذا من القرآن؟ فقال: لم تصقله المحاريب أربع مئة سنة.

فإن كان حقا ماقيل: فما يغني البكاء ولا العويل، وإن قامت له هنا المعاذير فلن تغنيه يوم النذير، ومن الطريف مانقله ياقوت في ترجمة شيخه ابن الدهان، أن خازن دار الكتب برباط المأمونية غسل كتاب الفصول وتبجح بصنيعه هذا بحضرته فخطأه ابن الدهان، محتجا بأنه إن كان خيرا من القرآن ـ وحاش لله أن يكون ـ فلا يجب أن يفرط في مثله وإن كان دونه فتركه معجزة للقرآن.

مرت الأيام وأنا أفكر في هذا الكتاب الخطير، الذي كان في عداد المفقود من كتبه، وكان لا يمر بي شئ يتعلق بصاحب المعرة إلا تذكرت كتابه هذا، ولكن لم أكلف نفسي عناء البحث أو السؤال عنه، لما علق بذهني من فقدانه، فقلت: حيل بين العير ونزوانه.

وشاء الله أن يقع بين يدي كتاب فيه تعريف بأبي العلاء (1)، للعلامة الكبير عبد العزيز الميمني الراجكوتي الهندي رحمه الله، فأخذت الكتاب وتصفحته، فإذا فيه تحقيق يليق بعلم الرجل رحمه الله، وانتقلت سريعا للنظر في ما كتبه عن كتاب الفصول , فوجدت الإنصاف وحديث العقل وتجنب الفضول، فماكان رهين المحبسين بدرجة من الغباء تكفي أن يفكر في مثل هذا ألأمر، مع حفظه لكتاب الله وفهم معانيه، وتبحره في لغة العرب ومعرفة أساليبها، وعجز البلغاء الأقحاح أرباب الفصاحة واللسن من قبله وفي زمن التحدي، عن أن يأتوا بسورة أو آية من مثله، خاصة وأن النقول في ترجمته تتدامغ، وأهل الفضل في زمنه على بابه تتدافع.

إزداد تشوفي للكتاب، وخشيت من السؤال عنه وماسيعود به من العتاب، وفي يوم من ألأيام وأثناء مطالعتي لأرفف بعض المكتبات، وإذ بهذا العنوان يلوح أمام ناظري (الفصول والغايات) لأبي العلاء المعري صاحب اللزوميات.

فأخذت كل النسخ الموجودة، وقلت: والله هذه ساعة محمودة، لأنظر الكفر المزعوم، وأغسل يدي من هذا الرجل المشؤم، وأقبلت على الكتاب أنظر فيه وأتصفحه،وأحضنه من كل أنحائه الأربعة، وويح أمه من كان يحوي هذا العلم أجمعه، فما وجدت إلا وعظ وإرشاد ولغة وأدب وفقه وفلسفه، كتاب أدب ولغة نعم، لكن لا ككل الكتب المدونة، لاحتطاب ليل أو دردعة، أوتشبع بالقول أو هذرمة، فأين الثرى من الثريا، وأين من يفرد ومن يأتي في الحمد ثنيا، ثم أعدت الكرة، وقلت لن تسلم الجرة، لعلي أظفر بشئ من المحاذاة التي قد تكون أخف من المعارضة، فرأيت فرقا بين الكلامين، كما بين المخلوق وخالق القمرين، تعالى الله العظيم وتعالت صفاته، فتيقنت من أن هناك ثلة لم ينصفها الناس، وعند الله تجتمع الخصوم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير