[الأشاعرة وموقف أهل السنة منهم للأخ (الرئيسي)]
ـ[العوضي]ــــــــ[16 - 05 - 05, 01:26 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد النبي الصادق الأمين وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً، أما بعد:
سلف الأشاعرة:
قبل أن أذكر مواقف أهل العلم من ادعاء الأشاعرة أنهم أهل السنة، أرى أن نتعرف على سلف الأشاعرة، وموقف علماء أهل السنة من السلف منهم.
تشير المصادر التي بين أيدينا بما فيها كتب الأشاعرة أنفسهم - إلى أن سلفهم في مقالتهم هو عبد الله بن سعيد بن كلاب [1]، وأبو العباس القلانسي [2]، والحارث المحاسبي [3].
يقول الشهرستاني (479 - 548هـ) - بعد أن بين أن جماعة كثيرة من السلف كانوا يثبتون صفات الله عز وجل من غير تفرقة بين الصفات الذاتية منها والصفات الفعلية ... -: (حتى انتهى الزمان إلى عبد الله بن سعيد الكلابي، وأبي العباس القلانسي، والحارث بن أسد المحاسبي. وهؤلاء كانوا من جملة السلف إلا أنهم باشروا علم الكلام، وأيدوا عقائد السلف بحجج كلامية، وبراهين أصولية، وصنف بعضهم، ودرس بعض، حتى جرى بين أبي الحسن الأشعري وبين أستاذه [4] مناظرة في مسائل من مسائل الصلاح والأصلح فتخاصما، وانحاز الأشعري إلى هذه الطائفة، فأيد مقالتهم بمناهج كلامية، وصار ذلك مذهباً لأهل السنة والجماعة، وانتقلت سمة الصفاتية إلى الأشعرية" [5].
وكلام الشهرستاني يفيد صراحة؛ أن مذهب الأشعرية إنما تلتمس أصوله لدى جماعة من الصفاتية باشروا الكلام وأثبتوا الصفات من أمال الكلابي، والقلانسي والمحاسبي [6].
ويعتبر الأشاعرة ابن كلاب، إمام أهل السنة في عصره، ويعدونه شيخهم الأول فيقولون: (ذهب شيخنا الكلابي عبد الله بن سعيد إلى ... ) [7].
كما يذكرونه وكذا القلانسي في كتبهم مشيرين إلى أنهما من أصحابهم [8].
فهؤلاء هم سلف الأشعرية، وقد كانوا من جملة السلف، ثم باشروا علم الكلام، فجرهم ذلك إلى مخالفة السلف في بعض ما يقولون وموافقة المعتزلة في بعض أصولهم، وأشهر ما خالفوا فيه السلف ووافقوا المعتزلة مسألة قيام الأفعال الاختيارية بذات الله تعالى.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (وكان الناس قبل أبي محمد بن كلاب صنفين:
فأهل السنة والجماعة: يثبتون ما يقوم بالله تعالى من الصفات والأفعال التي يشاؤها ويقدر عليها.
والجهمية من المعتزلة وغيرهم: تنكر هذا، وهذا.
فأثبت ابن كلاب: قيام الصفات اللازمة به، ونفى أن يقوم به ما يتعلق بمشيئته وقدرته من الأفعال وغيرها ووافقه على ذلك أبو العباس القلانسي وأبو الحسن الأشعري [9] وغيرهما) [10].
فوافق السلف والأئمة من أهل السنة في إثبات الصفات، ووافق الجهمية في نفي قيام الأفعال الاختيارية وما يتعلق بمشيئته وقدرته.
فكان في مسلكهم ميل إلى البدع ومخالفة للسنة ومفارقة للكلام مما جعل علماء السلف من أهل السنة يحذرون منهم.
وقد كان الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة (164 - 241هـ) من أشدهم في ذلك، فقد هجر الحارث بن أسد المحاسبي لأجل ذلك. كما يقول: أبو القاسم النصر أباذي [11]: (بلغني أن الحارث المحاسبي تكلم في شيء من الكلام فهجره أحمد بن حنبل فاختفى، فلما مات لم يصل عليه؛ إلا أربعة نفر) [12].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأما الحارث المحاسبي فكان ينتسب إلى قول ابن كلاب، ولهذا أمر أحمد بهجره، وكان أحمد يحذر عن ابن كلاب وأتباعه ... ) [13].
وقال: (والإمام أحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة كانوا يحذرون عن هذا الأصل الذي أحدثه ابن كلاب ويحذرون عن أصحابه.
وهذا هو سبب تحذري الإمام أحمد عن الحارث المحاسبي ونحوه من الكلابية) [14].
وقال الإمام أبو بكر ابن خزيمة (ت 311هـ) لما قال له أبو علي الثقفي [15]: (ما الذي أنكرت أيها الأستاذ من مذاهبنا حتى نرجع عنه؟
قال: ميلكم إلى مذهب الكلابية، فقد كان أحمد بن حنبل من أشد الناس على عبد الله بن سعيد بن كلاب، وعلى أصحابه مثل الحارث وغيره) [16].
وكان ابن خزيمة رحمه الله شيخ الإسلام وإمام الأئمة في زمنه، شديداً على الكلابية، منابذاً لهم.
¥