تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإذا كان هذا موقف إمام أهل السنة أحمد بن حنبل من الكلابية الذين هم سلف الأشاعرة، مع موافقتهم لأهل السنة في أكثر أقوالهم كما يدل عليه قول أبي الحسن الأشعري: (فأما أصحاب عبد الله بن سعيد القطان، فإنهم يقولون بأكثر ما ذكرناه عن أهل السنة ... ) [17].

وكان ابن كلاب والمحاسبي يثبتون لله صفة العلو، والاستواء على العرش، كما يثبتون الصفات الخبرية كالوجه واليدين وغيرهما [18].

فكيف بمتأخري الأشاعرة الذين يؤولون ذلك لكه، ويوافقون المعتزلة والجهمية في كثير من أقوالهم، مخالفين بذلك أئمة السلف من أهل السنة بل مخالفين سلفهم ابن كلاب وأصحابه.

فما هو موقف علماء أهل السنة منهم؟ وهل أقروهم على دعواهم أنهم أهل السنة؟

موقف علماء أهل السنة من دعوى الأشاعرة أنهم أهل السنة:

بتتبع كلام أهل العلم من العلماء أهل السنة نجد أقوالهم في ذلك متفاوتة ما بين متشدد، دعاه لذلك ما وقف عليه من مخالفة القول للسنة، وموافقتهم للجهمية والمعتزلة في بعض أقوالهم، فبدعهم وحذر منهم ولم ير استحقاقهم للقب "أهل السنة" الذي يدعونه.

وبين متساهل معدهم من أهل السنة، لما رأى من موافقتهم للسنة في بعض المسائل.

وبين هؤلاء وهؤلاء حاول بعض أهل العلم التدقيق في المسألة، والقول فيها بشيء من التفصيل.

وفرق بعض أهل العلم بين متقدميهم ومتأخريهم، فعد المتقدمين منهم أقرب إلى أهل الحديث والسنة، والمتأخرين أقرب إلى الجهمية والمعتزلة.

وإليك تفصيل أقوالهم مرتبة حسب التصنيف الذي ألمحنا إليه:

القول الأول:

قول بعض أهل العلم: أن الأشاعرة ليسوا من أهل السنة وإنما هم أهل كلام، عدادهم في أهل البدعة.

وممن ذهب إلى ذلك: الإمام أبو نصر السجزي [19] (ت 444هـ). حيث يرى أنهم محدثة وليسوا أهل سنة، فيقول في فصل عقدة لبيان السنة ما هي؟ ويم يصير المرء من أهلها؟

( ... فكل مدع للسنة يجب أن يطالب بالنقل الصحيح بما يقوله، فإن أتى بذلك علم صدقه، وقبل قوله، وإن لم يتمكن من نقل ما يقوله عن السلف، عُلم أنه محدث زائغ، وأنه لا يستحق أن يصغا إليه أو ينظر في قوله، وخصومنا المتكلمون معلوم منهم أجمع اجتناب النقل والقول به بل تمحينهم لأهله ظاهر، ونفورهم عنهم بين، وكتبهم عارية عن إسناد بل يقولون: قال الأشعري، وقال ابن كلاب، وقال القلانسي، وقال الجبائي ...

ومعلوم أن القائل بما ثبت من طريق النقل الصحيح عن الرسول – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – لا يسمى محدثاً بل سنياً متبعاً، وأن من قال في نفسه قولاً وزعم أنه مقتضى عقله، وأن الحديث المخالف لا ينبغي أن يلتفت إليه، لكونه من أخبار الآحاد، وهي لا توجب علماً، وعقله موجب للعلم يستحق أن يسمى محدثاً مبتدعاًـ ومخالفاً، ومن كان له أدنى تحصيل أمكنه أن يفرق بيننا ونبين مخالفينا بتأمل هذا الفصل في أول وهلة، ويعلم أن أهل السنة نحن دونهم، وأن المبتدعة خصومنا دوننا) [20].

بل يذهب رحمه الله أبعد من ذلك فيرى أن ضررهم أكثر من ضرر المعتزلة، فيقول: (ثم بلي أهل السنة بعد هؤلاء؛ - أي: المعتزلة – بقوم يدعون أنهم من أهل الاتباع، وضررهم أكثر من ضرر المعتزلة وغيرهم وهم أبو محمد بن كلاب وأبو العباس القلانسي، وأبو الحسن الأشعري ... ) [21].

معللاً رأيه هذا بقوله: (فهؤلاء يردون على المعتزلة بعض أقاويلهم ويردون على أهل الأثر أكثر مما ردوه على المعتزلة) [22]. وقوله: ( ... لأن المعتزلة قد أظهرت مذهبها ولم تستقف ولم تُمَوِّه.

بل قالت: إن الله بذاته في كل مكان وإنه غير مرئي، وإنه لا سمع له ولا بصر ... فعرف أكثر المسلمين مذهبهم وتجنبوهم وعدوهم أعداء. والكلابية، والأشعرية قد أظهروا الرد على المعتزلة والذب عن السنة وأهلها، وقالوا في القرآن وسائر الصفات ما ذكرنا بعضه [23]) [24].

وممن عدهم من أهل البدع محمد بن احمد بن خويز منداد المصري المالكي [25]، فقد روى عنه ابن عبد البر: أنه قال في كتاب الشهادات من كتابه "الخلاف"، في تأويل قول مالك: لا تجوز شهادة أهل البدع والأهواء [26] قال: (أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام، فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع أشعرياً كان أو غير أشعري، ولا تقبل له شهادة في الإسلام أبداً، ويهجر ويؤدب على بدعته ... ) [26].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير