والأخرى: أن الحافظ في الفتح قد نقد الأشاعرة باسمهم الصريح وخالفهم فيما هو من خصائص مذهبهم، فمثلاً خالفهم في الإيمان، وإن كان تقريره لمذهب السلف فيه يحتاج لتحرير، ونقدهم في مسألة المعرفة وأول واجب على المكلف في أول كتابه وآخره.
كما أنه نقد شيخهم في التأويل ((ابن فورك)) في تأويلاته التي نقلها عنه في شرح كتاب التوحيد من الفتح وذم التأويل والمنطق مرجحاً منهج الثلاثة القرون الأولى كما أنه يخالفهم في الاحتجاج بحديث الآحاد في العقيدة وغيرها من الأمور التي لا مجال لتفصيلها هنا.
والذي أراه أن الحافظ – رحمه الله – أقرب شيء إلى عقيدة مفوضة الحنابلة كأبي يعلى ونحوه ممن ذكرهم شيخ الإسلام ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل، ووصفهم بمحبة الآثار والتمسك بها، لكنهم وافقوا بعض أصول المتكلمين وتابعوهم ظانين صحتها عن حسن نية.
وقد كان من الحنابلة من ذهب إلى أبعد من هذا كابن الجوزي وابن عقيل وابن الزاغوني، ومع ذلك فهؤلاء كانوا أعداء الداء للأشاعرة، ولا يجوز بحال أن يعتبروا أشاعرة فما بالك بأولئك.
والظاهر أن سبب هذا الاشتباه في نسبة بعض العلماء للأشاعرة أو أهل السنة والجماعة هو أن الأشاعرة فرقة كلامية انشقت عن أصلها ((المعتزلة)) ووافقت السلف في بعض القضايا وتأثرت بمنهج الوحي، في حين أن بعض من هم على مذهب أهل السنة والجماعة في الأصل تأثروا بسبب من الأسباب بأهل الكلام في بعض القضايا وخالفوا فيها مذهب السلف.
فإذا نظر الناظر إلى المواضع التي يتفق فيها هؤلاء وهؤلاء ظن أن الطائفين على مذهب واحد، فهذا التداخل بينهما هو مصدر اللبس.
وكثيراً ما تجد في كتب الجرح والتعديل – ومنها لسان الميزان للحافظ ابن حجر – قولهم عن الرجل أنه وافق المعتزلة في أشياء من مصنفاته أو وافق الخوارج في بعض أقوالهم وهكذا، ومع هذا لا يعتبرونه معتزلياً أو خارجياً، وهذا المنهج إذا طبقناه على الحافظ وعلى النووي وأمثالهما لم يصح اعتبارهم أشاعرة وإنما يقال وافقوا الأشاعرة في أشياء، مع ضرورة بيان هذه الأشياء واستدراكها عليهم حتى يمكن الاستفادة من كتبهم بلا توجس في موضوعات العقيدة.
ـ[مسعر العامري]ــــــــ[29 - 05 - 05, 05:33 ص]ـ
هذا ما أريد ..
جزاك الله خيرا.
ـ[العوضي]ــــــــ[29 - 05 - 05, 05:58 ص]ـ
تحقيق نسبة ابن حجر وأمثاله لمذهب الأشاعرة
...... على أن الموضوع الذي يجب التنبيه إليه هو التفريق بين متكلمي الأشاعرة، كالرازي والآمدي والشهرستاني والبغدادي والإيجي ونحوهم، وبين من تأثر بمذهبهم عن حسن نية واجتهاد، أو متابعة خاطئة، أو جهل بعلم الكلام، أو لاعتقاده أنه لا تعارض بين ما أخذ منهم وبين النصوص.
ومن هذا القسم أكثر الأفاضل الذين يحتج بذكرهم الصابوني وغيره وعلى رأسهم الحافظ ابن حجر -رحمه الله-.
ولست أشك أن الموضوع يحتاج لبسط وإيضاح، ومع هذا فإنني أقدم للقراء لمحة موجزة عن موقف ابن حجر من الأشاعرة:
من المعلوم أن إمام الأشعرية المتأخر الذي ضبط المذهب وقعد أصوله هو الفخر الرازي [606 هـ] ثم خلفه الآمدي [631 هـ] والأرموي [655هـ] فنشرا فكره في الشام ومصر واستوفيا بعض القضايا في المذهب.
ونَقْدُ فكر هؤلاء الثلاثة هو الموضوع الرئيسي في كتاب درء التعارض لشَيْخ الإِسْلامِ.
وأعقبهم الإيجي صاحب المواقف - الذي كان معاصراً لشَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية - فألف "المواقف " الذي هو تقنين وتنظيم لفكر الرازي ومدرسته، وهذا الكتاب هو عمدة المذهب قديماً وحديثاً.
وقد ترجم الحافظ الذهبي رحمه الله في الميزان وغيره للرازي والآمدي بما هم أهله، ثم جاء ابن السبكي -ذلك الأشعري المتعصب- فتعقبه وعنف عليه ظلماً.
ثم جاء ابن حجر رحمه الله فألف لسان الميزان فترجم لهما بطبيعة الحال - ناقلاً كلام ابن السبكي ونقده للذهبي 1. ولم يكن يخفى عليه مكانتهما وإمامتهما في المذهب كما ذكر طرفاً من شنائع الأرموي ضمن ترجمة الرازي.
فماذا كان موقف ابن حجر؛ لأن موقفه هو الذي يحدد انتماءه لفكر هؤلاء القوم أو عدمه؟
إن الذي يقرأ ترجمتيهما في اللسان لا يمكن أن يقول: إن ابن حجر على مذهبهما أبداً، كيف وقد أورد نقولاً كثيرة موثقة عن ضلالهما وشنائعهما التي لا يقرها أي مسلم فضلاً عمن هو في علم الحافظ وفضله.
¥