تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بل ما فعله ابن رشد أقبح مما فعله علماء الكلام في هذا المقام بالذات, قبل أن نضيف سخريته من علماء الشريعة والاستخفاف بهم حيث يعدهم من العوام.

وجود الله عند ابن رشد

لم أعثر فيما قرأت لابن رشد على رأي صريح ينكر فيه وجود الله الخالق المصور المبدع بل على العكس من ذلك، نراه يرسم معالم الطريق لمعرفة الله تعالى، ويقيم الأدلة العقلية على وجود الله وينبه على الآيات الكونية الأفقية والنفسية بصورة واضحة ولكنه كما قسم الناس في مفهوم الشريعة - كما رأينا آنفاً - يقسمهم مرة أخرى في مجال الاستدلال بالآيات الكونية على وجود الله فيقول: "إن الأدلة على وجود الله الصانع تنحصر في هذين الجنسين:

1 – دلالة العناية.

2 – دلالة الاختراع.

يقوم دليل العناية على أن يفكر الإنسان جيداً وينظر فيما يحيط به من حماية وعناية ربانية ونعم لا تعد ولا تحصى، وقد خلق الله من أجله أكثر الموجودات، بل جميع ما في السموات وما في الأرض، وذلك في قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} (الجاثية:13).

ويقوم دليل الاختراع على النظر الدقيق في الموجودات والمصنوعات التي تدل لا على وجود الخالق فحسب، بل على قدرته وعظمته ووحدانيته, كأثر يدل على المؤثر, وصفة تدل على الصانع الحكيم، ويرى أبو الوليد أن لكل دلالة من الدلالتين جماعة من الناس تفهمها وتختص بفهمها وإدراكها، ويجعل دلالة العناية طريقة الجمهور لأنها حسية, كما يجعل دلالة الاختراع خاصة بالعلماء والخواص؛ لأنهم يزيدون على ما يدركه الحس ما يدركونه بالبرهان الذي يتم بالنظر واستعمال الفكر، وينظروا في ملكوت السموات والأرض, وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ, وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ, وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ, وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} , ليستدلوا على وجود الله وقدرته وحكمته بالنظر في أسرار هذه المخلوقات إذ كان ذلك في استطاعتهم دون الجمهور {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إلاّ وُسْعَهَا} (البقرة: 286) ولنستمع الآن إلى أبي الوليد وهم يتقدم إلى الجمهور بإرشاده كي يعرفوا الاستدلال على وجود الله تعالى: فيقول:

"الطريق التي نبه بها الكتاب العزيز عليها, ودعا الكل من بابها تنحصر في جنسين:

1 – في العناية بالإنسان وخلق جميع الأشياء من أجله، ولنسم هذا دليل العناية.

2 – ثم ما يظهر من اختراع جواهر الأشياء مثل اختراع الحياة في الجماد والإدراكات الحسية والعقل، ولنسم هذا دليل اختراع".

ويرى ابن رشد أن هذين الدليلين هما دليل الشرع، ثم يقول أبو الوليد: "إن جميع الموجودات في هذا الكون مناسبة ومفيدة لوجود الإنسان، كوجود الشمس والقمر والنبات والحيوان والأمطار والبحار والهواء والنار, بل في أعضاء الإنسان ذاتها دليل على أن موجد هذا العالم قدير حكيم عليم لطيف بعباده ثم يواصل تحليله البديع فيقول: "لما كانت جميع هذه الموجودات مخترعة من العدم بعد أن لم تكن دل على أنه لا بد من وجود مبدع صانع لهذا الكون قادر على الاختراع لاستحالة تحولها من العدم إلى الوجود بنفسها، وذلك المبدع الخالق هو الله لا إله إلا هو ولا رب سواه".

الوحدانية عند ابن رشد

تبينا فيما سبق أن ابن رشد لا يثار الغبار حوله في باب إثبات وجود الله تعالى، لا أقول: إنه على يقين تام من وجود الله فحسب، بل هو على استعداد تام لإقناع غيره ممن يخالطه شك أو ليس على يقين من وجود الله تعالى بأدلة عقلية وآيات كونية بأسلوبه القوي الممتاز، كما رأينا فيما سبق من الأبواب, فلنستمع إليه وهو يسوق الأدلة النقلية والعقلية, ويحلل المسألة كعادته, إذ يثبت بأنه تعالى واحد فرد صمد اعتماداً على الآيات القرآنية مثل قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ, اللهُ الصَّمَدُ, لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ, وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} (الإخلاص:1 - 4) , ويقول أبو الوليد: "إن من نظر في كلمة (لا إله إلا الله) وصدق المعنيين الواردين فيها وهما الإقرار بوجود الباري ونفي الإلهية عما سواه، فهو المسلم الحقيقي", ويثبت ابن رشد من ناحية إدراكه الفلسفي بأن الله هو الصانع الخالق الأول, صنع كل ما في العالم لحكمة على نظام ترتيب وقانون، صدرت عنه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير