تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

جميع الموجودات المتغايرة صدوراً أولياً أزلياً ودفعة واحدة، ويرى ابن رشد أن الفاعل الأول واحد، والوحدانية ذاتية إذ لا يمكن أن تكون الوحدانية زائدة على ذاته التي هي في الوقت نفسه وجوده.

وهذا يعني أن الصفات قائمة بذات الله ومتحدة معها وليست زائدة عليها، وسيأتي لهذه المسألة مزيد إيضاح - إن شاء الله - ماذا يريد أبو الوليد بهذه (الرطانة الفلسفية)، بعد أن أثبت وجود الله ووحدانيته اعتماداً على الآيات القرآنية، وبعد أو وفق في تفسير كلمة التوحيد تفسيراً سلفياً أثبت فيه الربوبية والألوهية معاً بطريقة رائعة ودقيقة، وصرح بأن المسلم الحقيقي ذلك الذي يقر بوحدانية الله في ربوبيته وألوهيته.

بعد هذا كله أبت عليه فلسفته إلا أن يستعمل أسلوباً مغلقاً ملتوياً بأن الفيلسوف قد اختلط عليه الأمر، ولعل هذا التخبط أثر من آثار فلسفة أرسطو وزملائه الذي تتلمذ على كتبهم وتأثر بهم. وهم يعتقدون بقدم العالم وأزليته ويثبتون تأثيراً لغير الله في هذا العالم في الأفلاك وغيرها على سبيل الاستقلال، ويشبهون الله عز وجل بملك في مدينة ما يعطي الاستقلال في التصرف في المدينة لمن تحته لحاجته إليه في التعاون معه .. سبحان الله عن الشريك والوزير المساعد!! بل هو الواحد الأحد سبحانه. وهؤلاء الفلاسفة الذين تأثر ابن رشد بفلسفتهم يعتقدون بأن الله إنما خلق العقل الأول فقط، والعقل الأول خلق العقل الثاني، وهكذا إلى آخر, كلام ركيك ومليء بالإلحاد والقول على الله بغير علم، وليس فيه مسكة من تقدير الله حق قدرته, سبحانك ما أحلمك يا رب العالمين!!

وقد تورط ابن رشد في هذا الاعتقاد في هذه المسألة كما ترى وكما سيتضح فيما سيأتي من كلامه. ثم أخذ ابن رشد يخوض في مسألة طالما خاض فيها علماء الكلام، وهي هل الصفات زائدة على الذات أم هي عين الذات، إذ يقرر أن ذات الله ووجوده ووحدانيته كلمات يختلف معناها، ولكن دلالتها فيما يتعلق بالله واحدة. فالله قديم لأن الواحد بما هو واحد سابق على كل مركب، وهذا الأول القديم بذاته باق مطلقاُ وصفات الله من الحكمة والقدرة والوحدانية وغيرها ليست زائدة على الذات.

وتحقيق هذا المقام يتطلب نوعاً من التفصيل حتى يتضح الحق بإذن الله.

فنقول: يمكن أن يقال: الصفة عين الذات ويصح هذا الحكم, بمعنى أن الصفات لا تنفك عن الذات إذ لا نستطيع أن نتصور علماً بغير عالم, وقدرة قائمة وحدها بغير قادر, أو إرادة قائمة بنفسها دون مريد، وهكذا وبهذا الاعتبار نقول: الصفات عين الذات.

كما أنه من الممكن أن نقول: الصفة غير الذات فيصح الحكم أيضاً باعتبار آخر، وهو أن للصفة معنى وللذات معنى مغاير لمعنى الصفة، وبهذا الاعتبار أن الصفة غير الذات قطعاً، وما قيل في هذه المسألة يقال في مسألة هل الاسم عين المسمى أن غير المسمى؟. وعلى هذا المعنى يخرج كلام أبي الوليد, إذ يقول: إن صفات الله ليست زائدة على الذات"والله أعلم.

ومثل هذا البحث يعده أبو الوليد إذا صدر من غيره بدعة محدثة غير معروفة عند السلف، إذ لا يكادون يزيدون على ما دل عليه الكتاب والسنة، بل يؤمنون بأن الله موصوف بصفات الكمال كالعلم والقدرة والرحمة والاستواء، وغير ذلك من الصفات ذاتية أو فعلية، ولا يسألون هل هي عين الذات أو غير الذات.

وهي الطريقة السليمة، وتدل على عمق علم السلف ودقتهم وبعدهم عن التكلف والقول على الله بغير علم، والمعروف عنهم أنهم لا يتجاوزون الكتاب العزيز والسنة المطهرة في المطالب الإلهية خشية القول على الله بغير علم, والخوض في حقائق ذاته وصفاته وأسمائه وتسليط الوهم والخيال عليها فأمر جد خطير، إذ لا يصف الله أعلم من الله، ولا يصفه من خلقه أعلم من رسوله عليه الصلاة والسلام الذي أذن له أن يصفه وأمره أن يبلغ عنه ما نزل عليه، ومن جملة ما نزل عليه صفات الله عز وجل، ومن بعدهم عن التكليف أنهم لا يتطلعون إلى إدراك حقائق الصفات والأسماء إيماناً منهم بأن المخلوق لا يحيط بالخالق، علماً مهما أوتي من علم وذكاء لأن علم المخلوق محدود {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً} (الإسراء: 85) , ولا يقاس بغيره بأي نوع من أنواع القياس، إذ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الشورى: 11)، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} (مريم: 65)، {وَلَمْ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير