وما كان مختلفاً فيه بين أهل العلم فليس يقينياً، لأن اليقين لا يمكن نفيه أبداً،
فمثلاً اختلف العلماء في عذاب القبر هل هو على البدن أو على الروح؟
واختلف العلماء في الذي يوزن هل هي الأعمال أو صحائف الأعمال أو صاحب العمل؟
واختلف العلماء في الجنة التي أسكنها آدم هل هي جنة الخلد أو جنة في الدنيا؟
واختلف العلماء في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه هل رآه بعينه – يعني في الحياة – أو رآه بقلبه؟ (5)
واختلف العلماء في النار هل هي مؤبدة أو مؤمدة؟
وكل هذه من العقائد، والقول: بأن (العقيدة ليس فيها خلاف على الإطلاق) غير صحيح،
فيه من مسائل العقيدة ما يعمل فيه الإنسان بالظن،
مثلاً: في قوله تعالى: (من تقرب إلي شبراً تقربت منه ذراعاً) (6)، لا يجزم الإنسان بأن المراد القرب الحسي، فإن الإنسان لا شك ينقدح في ذهنه أن المراد بذلك القرب المعنوي،
(من أتاني يمشي أتيته هرولة)، هذا أيضاً لا يجزم الإنسان بأن الله يمشي مشياً حقيقياً هرولة، ينقدح في ذهنه أن المراد الإسراع في إثابته وأن الله تعالى إلى الإثابة أسرع من الإنسان إلى العمل،
ولهذا اختلف علماء أهل السنة في هذه المسألة هل هو هذا أو هذا؟
فأنت إذا قلت هذا أو هذا لست تتيقنه كما تتيقن نزول الله عز وجل الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام: (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا) (7) هذا لا يشك فيه الإنسان أنه نزول حقيقي،
وكما في قوله: {استوى على العرش} (الأعراف 54)، لا يشك الإنسان أنه استواء حقيقي،
فالحاصل: أن مسائل العقيدة ليست كلها مما لا بد فيه من اليقين،
لأن اليقين أو الظن حسب تجاذب الأدلة وتجاذب الأدلة حسب فهم الإنسان وعلمه،
قد يكون هذان الدليلان متجاذبين عند شخص، ولكن عند شخص آخر ليس بينهما تجاذب إطلاقاً وقد اتضح عنده أن هذا له وجه وهذا له وجه،
فمثل هذا الأخير ليس عنده إشكال في المسألة بل عنده يقين، والأول يكون عنده إشكال،
وإذا رجّح أحد الطرفين فإنما يرجحه بغلبة الظن،
لهذا لا يمكن أن نقول: إن جميع مسائل العقيدة مما يتعين فيه الجزم، ومما لا خلاف فيه،
لأن الواقع خلاف ذلك، ففي مسائل العقيدة ما فيه خلاف،
وفي مسائل العقيدة ما لا يستطيع الإنسان أن يجزم به، لكن يترجح عنده،
إذًا هذه الكلمة التي نسمعها بأن (مسائل العقيدة لا خلاف فيها) هذه ليست على إطلاقها،
لأن الواقع يخالف ذلك، كذلك مسألة العقيدة بحسب اعتقاد الإنسان ليس كل مسائل العقيدة مما يجزم فيه الإنسان جزماً لا احتمال فيه في بعض المسائل حديث أو آيات قد يشك الإنسان فيها،
فمثلاً: {يوم يُكشف عن ساقٍ} (القلم 42).
هذه من مسائل العقيدة وقد اختلف فيها السلف:
هل المراد ساقه عز وجل أو المراد الشدة (8)؟
وعلى هذا فقس،،،
نرجع الآن إلى كلام المؤلف:
فقوله: (كل ما يطلب فيه الجزم): يريد بذلك مسائل العقيدة وغيرها،
كل شيء يطلب فيه الجزم،
قوله: (فمنع تقليد بذاك حتم): مما يجب فيه الجزم أن نجزم بأن الصلوات الخمس مفروضة،
ولهذا لو أنكر الإنسان فرضية الصلوات الخمس كفر، يجب أن نجزم بأنها مفروضة وأن الزكاة مفروضة وأن الصيام مفروض وأن الحج مفروض وجوباً،
******************
55 – لأنه لا يُكتفى بالظن * لذي الحجا في قول أهل الفن
ثم علل المؤلف فقال: (لأنه لا يكتفي بالظن): لأن التقليد ظن،
ولهذا تقول للمقلِّد: هل تجزم بهذا؟ قال لك: يقوله فلان،
إذن ليس عنده جزم،
التقليد يفيد الظن ولو حسن ظن المقلد بالمقلد ما قلده،
إذن نقول:كل شيء يطلب فيه الجزم فلا تقلد فيه، لأن هذا ينافي المطلوب،
فالمطلوب الجزم، والتقليد يفيد الظن فلا يجوز أن نقلد،
56 – وقيل: يكفي الجزم إجماعا بما *يُطْلَبُ فيه عند بعض العلما
يعني: قول ثاني: أنه يكفي الجزم بما يطلب فيه الجزم ولو عن طريق التقليد،
فالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، هذا مما يجب فيه الجزم،
ولكن هل العامي يدرك ذلك بدليله؟
الجواب: لا يدرك ذلك بدليله،
ومع ذلك نصحح إيمانه، ونقول: هو مؤمن وإن كان لا يدرك ذلك بدليله،
قوله: (يكفي الجزم إجماعاً بما يطلب فيه): يعني يكفي الجزم بما يطلب فيه الجزم بالإجماع،
¥