[حديث الصورة رواية ودراية]
ـ[العوضي]ــــــــ[19 - 06 - 05, 08:35 ص]ـ
[حديث الصورة رواية ودراية]
بقلم الشيخ الدكتور بندر بن نافع العبدلي
جامعة الإمام بالقصيم
قسم السنة
مجلة الحكمة العدد 27
ـ[العوضي]ــــــــ[19 - 06 - 05, 08:39 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
مذهب أهل السنة والجماعة إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات , من غير تحريف ولا تعطيل , ومن غير تكييف ولا تمثيل , بل يؤمنون بأن الله سبحانه (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) (الشورى 11) فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه , ولا يحرفون الكلم عن مواضعه , متبعين في ذلك كتاب الله والسنة وما ورد عن سلف الأمة , ثم هم ينكرون على من حرَّف صفات الله أو مثَّل الله بخلقه , لأن ذلك تعدٍّ على النصوص وقول على الله بلا علم , إذ الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات , فكما أنه عز وجل لم يخبرنا عن كيفية ذاته , فكذلك لا نعلم كيفية صفاته , لكننا نثبتها كما يليق بجلاله وعظمته.
قال نعيم بم حماد الخزاعي (من شبه الله بخلقه فقد كفر , ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر , وليس ما وصف الله به نفسه ورسوله تشبيه).
وقال الإمام مالك - لما سئل عن الاستواء كيف هو – (الاستواء معلوم , والكيف غير معقول , والإيمان به واجب , والسؤال عنه بدعة) ثم قال للسائل (ما أراك إلا مبتدعا) فأمر به فأُخرج.
فقوله رحمه الله (والسؤال عنه بدعة) أي السؤال عن الكيفية بدعة , لأن سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين ما سألوا عنها , وهم أتقى لله وأحرص منَّا على العلم.
ولكن لا شك أنهم – أعني السلف – كانوا يفهمون معاني ما أنزل الله على رسوله من الصفات , وإلا لم يكن للأمر بتدبر القرآن فائدة , وقد نقلت عنهم عبارات تدل على ذلك. فقد أخرج اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة رقم (875) عن الوليد بن مسلم أنه قال (سألت الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي فيها الرؤية , فقالوا: أمرَّوها بلا كيف).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتوى الحموية ص (41) بعد ذكره عبارات الأئمة في هذا المعنى (ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه – على ما يليق الله – لما قالوا: الاستواء غير مجهول , والكيف غير معقول , ولما قالوا: أمرُّوها كما جاءت بلا كيف , فإن الاستواء حينئذٍ لا يكون معلوماً بل مجهولاً بمنزلة حروف المعجم , وأيضاً: فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى , وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبت الصفات , وأيضاً: فإن من ينفي الصفات الخبرية , أو الصفات مطلقاً لا يحتاج إلى أن يقول: بلا كيف , فمن قال: إن الله على العرش , لا يحتاج أن يقول: بلا كيف , كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر لما قالوا: بلا كيف , وأيضاً فقولهم: أمروُّها كما جاءت يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه , فإنها جاءت ألفاظ دالة على معانٍ , فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال: أمرُّوا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد , أو أمرُّوا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة , و حينئذٍ فلا تكون قد أمرت كما جاءت و لا يقال حينئذ: بلا كيف , إذ نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول) ا هـ.
فتبين من كلام الشيخ رحمه الله أن سلف الأمة يثبتون لآيات الصفات وأحاديثها معنى من وجهين:
الوجه الأول: من قولهم (أمروها كما جاءت) وهي لم تأت عبثاً , بل جاءت لمعنى , فإذا أمروها كما جاءت لزم من ذلك أن يثبت لها معنى.
الوجه الثاني: من قولهم (بلا كيف) لأن نفي الكيفية بدل على إثبات أصل المعنى , إذ نفي الكيف عما ليس لغو وعبث.
وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن صفات الله عز وجل تنقسم إلى صفات ذاتية: وهي التي لم يزل ولا يزال الله متصفاً بها , وصفات فعلية وهي المتعقلة بالمشيئة , وذكروا أن الصفات الذاتية تنقسم إلى معنوية مثل: الحياة والعلم والقدرة وغيرها , وخبرية مثل: اليدين , والوجه , والعينين , وما أشبه ذلك مما مسماه بالنسبة لنا أجزاء وأبعاض , وبسط هذه الصفات وأدلتها من الكتاب والسنة في كتب العقيدة.
وقد وقع في بعض أحاديث الصفات خلاف بين الأئمة في إثبات ما دلَّت عليه لله من عدمه من أن جمهورهم على إثبات ما دلت عليه مع نفي التمثيل والتكييف.
ومن هذه الأحاديث حديث (إن الله خلق آدم على صورته) فقد كثر الكلام حول هذا الحديث , واختُلف في مرجع الضمير في قوله (صورته) على من يعود؟ وإني في هذا البحث المختصر أُبين تخريج الحديث وبيان ألفاظه وطرقه , وخلاف الأئمة في تفسيره مع بيان القول الذي اختاره جمهور أئمة أهل السنة , وأسأل الله العون والتوفيق والتسديد , إنه جواد كريم.
وقد جعلت هذا الموضوع في ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: سرد حديث الصورة بطرقه وألفاظه.
المبحث الثاني: كلام الأئمة على الضمير في قوله (على صورته) إلى من يعود؟
المبحث الثالث: في إثبات الصورة لله جل جلاله.
يتبع إن شاء الله تعالى ...
¥