تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهو مروي عن أبي ثور إبراهيم بن خالد الكلبي , ذكره القاضي أبو الحسين في طبقات الحنابلة في ترجمة محمد بن علي الجرجاني , المعروف بحمدان أنه قال (سألت أبا ثور عن قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله خلق آدم على صورته) فقال: على صورة آدم) (14).

ونقله الإمام أحمد عن بعض محدثي البصرة , كما في نقض التأسيس لشيخ الإسلام ابن تيمية.

وذكره البيهقي في الأسماء والصفات عن أبي سليمان الخطابي وأقرَّه (15).

ونسبه ابن قتيبة إلى أهل الكلام , فقال (فقال قوم من أصحاب الكلام: أراد خلق آدم على صورة آدم لم يزد على ذلك) (16) , وإليه ذهب العراقي في طرح التثريب (17).

وقد رد الأئمة هذا القول وأبطلوه وبدعوا قائله:

فقد قال الإمام أحمد – لما ذكر له قول أبي ثور المتقدم – (من قال: إن الله خلق آدم على صورة آدم فهو جهمي , وأيُّ صورة كانت لآدم قبل أن يخلقه؟) (18).

وقال ابن قتيبة – بعد ذكره لهذا القول – (ولو كان المراد هذا , ما كان في الكلام فائدة , ومن يشك في أن الله تعالى خلق الإنسان على صورته , والسباع على صورها , الأنعام على صورها) (19).

وقد ساق شيخ الإسلام ابن تيمية لفساد هذا القول تسعة أوجه في كتابه نقض التأسيس , أذكر منها ثلاثة وهي كافية في إبطاله:

· أحدها: أنه إذا قيل: إذا فاتل أحدكم فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورة آدم , أولا تقبحوا الوجه , ولا يقل أحدكم قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك ,فإن الله خلق آدم على صورة آدم , كان هذا من أفسد الكلام , فإنه لا يكون بين العلة والحكم مناسبة أصلاً , فإن كون آدم مخلوقاً على صورة آدم , فأي تفسير فسر به فليس في ذلك مناسبة للنهي عن ضرب وجوه بنية , ولا عن تقبيحها وتقبيح ما يشبهها , وإنما دخل التلبيس بهذا التأويل حيث فرق الحديث المروي (إذا قاتل أحدكم فليتق الوجه) مفرداً , وروي قوله (إن الله خلق آدم على صورته) مفرداً , أما مع أداء الحديث على وجهه فإن عود الضمير إلى آدم يمنع فيه , وذلك أن خلق آدم على صورة آدم سواء كان فيه تشريف لآدم أو كان فيه إخبار مجرد بالواقع فلا بناسب هذا الحكم.

· الوجه الثاني: أن الله خلق سائر أعضاء آدم على صورة آدم , فلو كان مانعاً من ضرب الوجه أو تقبيحه لوجب أن يكون مانعاً من ضرب سائر الوجوه وتقبيح سائر الصور , وهذا معلوم الفساد في العقل والدين , وتعليل الحكم الخاص بالعلة المشتركة من أقبح الكلام , وإضافة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا يصدر إلا عن جهل عظيم أو نفاق شديد , إذ لا خلاف في علمه وحكمته وحسن كلامه وبيانه.

· الوجه الثالث: أن هذا تعليل للحكم بما يوجب نفيه , وهذا من أعظم التناقض , وذلك أنهم تأولوا الحديث على أن آدم لم يخلق من نطفة وعلقة ومضغة , وعلى أنه لم يتكون في مدة طويلة بواسطة العناصر , بَنوه قد خلقوا من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة , وخلقوا في مدة عناصر الأرض , فإن كانت العلة المانعة من ضرب الوجه وتقبيحه كونه خلق على ذلك الوجه , وهذه العلة منتفية في بينه , فينبغي أن يجوز ضرب وجوه بنيه وتقبيحها لانتفاء العلة فيها أن آدم هو الذي خلق على صورة دونهم , إذ هم لم يخلقوا كما خلق لآدم على صورهم التي هم عليها بل نقلوا من نطفة إلى علقة إلى مضغة .. إلخ (20).

والعجب أن ابن حجر في الفتح قال (وزعم بعضهم أن الضمير يعود على آدم , أي على صفته , أي خلقه موصوفاً بالعلم الذي فضل به الحيوان وهذا محتمل) (21).

قال الشيخ التويجري رحمه الله (وما أبعده من الاحتمال وإنما هو قول باطل مردود بالنص على أن الله خلق آدم على صورة الرحمن) (22).

قلت: وهو كما قال , إلا أن حديث (على صورة الرحمن) قد تقدم أنه لا يصح.

يتبع إن شاء الله تعالى ...

ــــــــــــــ

14) طبقات الحنابلة (1/ 309).

15) الأسماء والصفات (2/ 61 - 62).

16) تأويل مختلف الحديث ص (318).

17) طرح التثريب (8/ 104).

18) طبقات الحنابلة (1/ 309).

19) تأويل مختلف الحديث ص (318).

20) بيان تأسيس الجهمية ج3 (مخطوط).

21) فتح الباري (5/ 183).

22) عقيدة أهل الإيمان ص (15).

ـ[العوضي]ــــــــ[21 - 07 - 05, 09:48 ص]ـ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير