تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الحال الأولى: أن يستخدم في طاعة الله، كأن يكون له نائباً في تبليغ الشرع، فمثلاً: إذا كان له صاحب من الجن مؤمن يأخذ عنه العلم، ويتلقى منه، وهذا شيء ثبت أن الجن قد يتعلمون من الإنس، فيستخدمه في تبليغ الشرع لنظرائه من الجن، أو في المعونة على أمور مطلوبة شرعاً، فهذا لا بأس به، بل إنه قد يكون أمراً محموداً أو مطلوباً، وهو من الدعوة إلى الله ـ عز وجل ـ، والجن حضروا النبي صلى الله عليه وسلم وقرأ عليهم القرآن، وولوا إلى قومهم منذرين، والجن فيهم الصلحاء والعباد والزهاد والعلماء، لأن المنذر لابد أن يكون عالماً بما ينذر، عابداً مطيعاً لله ـ سبحانه ـ في الإنذار.

الحال الثانية: أن يستخدمهم في أمور مباحة، مثل أن يطلب منهم العون على أمر من الأمور المباحة، قال: فهذا جائز بشرط أن تكون الوسيلة مباحة، فإن كانت محرمة، صار حراماً، كما لو كان الجني لا يساعده في أموره إلا إذا ذبح له أو سجد له أو ما أشبه ذلك. ثم ذكر ما ورد أن عمر تأخر ذات مرة في سفره، فاشتغل فكر أبي موسى، فقالوا له: إن امرأة من أهل المدينة لها صاحب من الجن، فلو أمرتها أن ترسل صاحبها للبحث عن عمر، ففعل، فذهب الجني، ثم رجع، فقال: إن أمير المؤمنين ليس به بأس، وهو يسم إبل الصدقة في المكان الفلاني، فهذا استخدام في أمر مباح.

الحال الثلاثة: أن يستخدمهم في أمور محرمة، كنهب أموال الناس وترويعهم، وما أشبه ذلك، فهذا محرم، ثم إن كان الوسيلة شركاً صار شركاً، وإن كان وسيلته غير شرك صار معصية، كما لو كان هذا المجني الفاسق يألف هذا الإنسي الفاسق ويتعاون معه على الإثم والعدوان، فهذا يكون إثماً وعدواناً، ولا يصل إلى حد الشرك.

ثم قال: إن من يسأل الجن، أو يسأل من يسأل الجن، ويصدقهم في كل ما يقولون، فهذا معصية وكفر، والطريق للحفظ من الجن هو قراءة آية الكرسي، فمن قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح، كما ثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم، وهي: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم ... ) الآية.

(ج1/ 546)

----

وقال ابن عباس في قوم يكتبون (أباجاد) وينظرون في النجوم، ما أرى من فعل ذلك له عند الله من خلاق".

وقوله: "أباجاد". هي: أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضطغ ... وتعلم أباجاد ينقسم إلى قسمين:

الأول: تعلم مباح بأن نتعلمها لحساب الجمل، وما أشبه ذلك، فهذا لا بأس به، وما زال أناس يستعملونها، حتى العلماء يؤرخون بها، قال شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله في تاريخ بناء المسجد الجامع القديم:

جد بالرضا واعط المنى ... من ساعدوا في ذا البنا

تاريخه حيث انتهى ****قول المنيب اغفر لنا

والشهر في شوال يا ... رب تقبل سعينا

فقوله: "اغفر لنا" لو عددناها حسب الجمل صارت 1362هـ.

الثاني: محرم، وهو كتابة "أبا جاد" كتابة مربوطة بسير النجوم وحركتها وطلوعها وغروبها، وينظرون في النجوم ليستدلوا بالموافقة أو المخالفة على ما سيحدث في الأرض:

- إما على سبيل العموم، كالجذب والمرض والجرب وما أشبه ذلك.

- أو على سبيل الخصوص، كأن يقول لشخص: سيحدث لك مرض أو فقر أو سعادة أو نحس في هذا وما أشبه ذلك، فهم يربطون هذه بهذه، وليس هناك علاقة بين حركات النجوم واختلاف الوقائع في الأرض.

(ج1/ 548)

----

والنظر في النجوم ينقسم إلى أقسام:

الأول: أن يستدل بحركاتها وسيرها على الحوادث الأرضية، سواء كانت عامة أو خاصة:

- فهو شرك إن اعتقد أن هذه النجوم هي المدبرة للأمور، أو أن لها شركاً، فهو كفر مخرج عن الملة.

- وإن اعتقد أنها سبب فقط، فكفره غير مخرج من الملة، ولكن يسمى كفراً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم على إثر سماء كانت من الليل: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، أما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب". وقد سبق لنا أن هذا الكفر ينقسم إلى قسمين بحسب اعتقاد قائله.

الثاني: أن يتعلم علم النجوم ليستدل بحركاتها وسيرها على الفصول وأوقات البذر والحصاد والغرس وما أشبهه، فهذا من الأمور المباحة، لأنه يستعان بذلك على أمور دنيوية.

القسم الثالث: أن يتعلمها لمعرفة أوقات الصلوات وجهات القبلة، وما أشبه ذلك من الأمور المشروعة، فالتعلم هنا مشروع، وقد يكون فرض كفاية أو فرض عين.

(ج1/ 550)

----

فيه مسائل:

السابعة: ذكر الفرق بين الكاهن والعراف. وفي هذه المسألة خلاف بين أهل العلم:

القول الأول: أن العراف هو الكاهن، فمهما مترادفان، فلا فرق بينهما.

القول الثاني: أن العراف هو الذي يستدل على معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها، فهو أعم من الكاهن، لأنه يشمل الكاهن وغيره، فهما من باب العام والخاص.

القول الثالث: أن العراف يخبر عن أمور بمقدمات يستدل عليها، والكاهن هو الذي يخبر عما في الضمير، أو عن المغيبات في المستقبل.

فالعراف أعم، أو أن العراف يختص بالماضي، والكاهن بالمستقبل، فهما متباينان، والظاهر أنهما متباينان:

- فالكاهن من يخبر عن المغيبات في المستقبل.

- (والعراف من يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك).

غير واضح لأنهمالو كانا متباينين لقلنا: والعراف هو الذي يخبر عما في الضمير أو أن يكونا من باب العام والخاص فيقال في العراف ماهو مطبوع هنا بين القوسين.

(ج1/ 552)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير