لذا قال الحافظ في: "الفتح" لما حكى الاعتراض: "وكذا رجَّح النووي كون القصة واحدة وفيه نظر لما أوضحنا من المغايرة بينهما" أ. هـ.
ورابعها: ما حكاه ابن الملقن في: "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" بقوله: "والقاضي عياض لما نقل كلام الخطابي وفِعْلَ بريدة قال: جَعْلُ الجريدة والخُوْص اليوم استناناً بهذا الحديث لا يصح؛ لأنه عليه السلام علَّل غَرْزها على القبر بعلة مُعَيَّنة لا يُطَّلَع عليها، وهي قوله: "إنهما ليعذبان" وعلم عليه السلام إنهما ليعذبان فلذلك فَعَلَ ما فَعَلَ، ولا نفعله نحن الآن؛ لأنا لا نعلم هل الميت يعذب أو هو ممن غفر له، كما قلناه في حديث المحرم "لا تُمِسُّوه طِيباً لأنه يُبعث يوم القيامة مُلَبِّياً" وصَوَّب مقالات الخطابي، وتبعهم ابن الحاج المالكي أيضاً" أ. هـ المراد وهو في "المُفصل" لابن الحاج رحمه الله تعالى.
ورُدّ ذلك بما قاله الحافظ في: "الفتح": "لا يَلْزم مَن كوننا لا نَعَلم أيُعَذَّب أم لا؟ أن: نَتَسبّب له في أمر يُخَفِّف عنه العذاب أن لو عُذِّب، كما لا يمنع كوننا لا ندري أرحُمُ أم لاـ أن لا ندعو له بالرحمة" أ. هـ.
تنبيه: خبر بريدة الأسلمي وصله ابن سعد في: "الطبقات" حيث قال: "أخبرنا عفان بن مسلم قال: حدثنا حماد ابن سلمة، قال أخبرنا عاصم الأحول، قال قال مورق: أوصى بريدة الأسلمي أن توضع في قبره جريدتان،ومات بأدنى خراسان فلم توجد إلا في حوالق حمار" أ. هـ. قال الحافظ في:"تغليق التعليق": "أما أثر بريدة فقال ابن سعد أخبرنا عبيد الله بن محمد بن حفص ثنا حماد بن سلمة، عن عاصم الأحول، عن مُورِّق العجلي، قال: أَوصى بُرَيْدَة أن يوضع على قبره جريدتان، ومات بأدنى خراسان" وقد وقع لي من طريق أخرى لأبي بَرْزة الأسلمي أيضاً وفيها حديث مرفوع من حديث: قرأتُ على أحمد بن عمر اللؤلؤي عن الحافظ أبي الحجاج المزي أن يوسف بن يعقوب بن المجاور أخبره، أنا أبو اليُمن الكندي، أنا أبو منصور القزَّاز، أنا أبو بكر الخطيب عن إبراهيم بن مخلد، ثنا أبو سعيد النَّسَوِي سمعت أحمد بن محمد بن عمر بن بسطام، يقول سمعت أحمد بن سيار، يقول ثنا الشاة بن عمار، حدثني أبو صالح سليمان بن صالح الليثي، ثنا النضر بن المنذر بن ثعلبة العبدي: عن حماد بن سلمة، عن قتادة: أن أبا برزة الأسلمي كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ على قبر، وصاحبه يعذب: فأخذ في جريدة، فغرسها في القبر، وقال: عسى أن يُرَفَّه عنه ما دامت رطبة" وكان أبو برزة يوصي إذا مِتُ فضعوا في قبري معي جريدتين، قال: فمات في مفازة بين كرمان وقَوْقَس فقالوا: كان يوصينا أن نضع في قبره جريدتين، وهذا موضع لا نصيب فيه فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم ركب من قبل سجستان، فأصابوا معهم سعفاً فأخذوا منهم جريدتين فوضعوهما معه في قبره" أ. هـ. وهو عند الخطيب في "تاريخ بغداد"، وقال في: "الفتح" عن خبر بريدة: "وقع في رواية الأكثر (في قبره) وللمستملي:"على قبره " وقد وصل ابن سعد من طريق مُوَرّق العجلي" أ. هـ المراد.
لطيفة: ترجم البخاري لخبر بريدة باب الجريدة على القبر. قال الحافظ في "الفتح":" والذي يَظْهر من تصرفه ـ أي البخاري ـ ترجيح الوضع" أ. هـ والله أعلم.
كتبه
صالح بن محمد الأسمري
10/ 1/1425هـ
http://saaid.net/Doat/asmari/fatwa/7.htm
رفع اليدين عند دعاء الخطيب
الشيخ صالح بن محمد الأسمري
هل يُشْرَع لمُسْتَمِعِ خُطْبةِ الجمعةِ أن يَرْفع يديه عند دعاء الخطيب؟
الجواب:-
رَفْع اليدين عند الدعاء أدب عام، استفاضت فيه الأخبار، وعده جماعة من المتواتر، يقول الإمام السيوطي رحمه الله تعالى ـ كما في: "تَدْريب الراوي" ـ: "فقد ورد عنه r نحو مائة حديث فيه رفع يديه في الدعاء، وقد جمعتها في جزء لكنها في قضايا مختلفة ـ فكل قضية منها لم تتواتر، والقدر المشترك فيها وهو الرفع عند الدعاء تواتر المَجْموع" أ. هـ. وكذا في: "نظم المتناثر من الحديث المتواتر"
ومنها حديث سلمان رضي الله عنه مرفوعاً: "ما رفع قوم أَكَفَّهم إلى الله عز وجل، يَسْألونه شيئاً إلا كان على الله حقاً أن يَضَعَ في أيديهم الذي سألوا" قال الحافظ الهيثمي رحمه الله تعالى في: "مَجْمع الزوائد": "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح" أ. هـ.
ويَدْخل في عموم ذلك: رَفْعُ اليدين من قِبَل المُسْتَمع لخطيبِ الجمعةِ عند الدعاء، ولا يُشْترط فيه مجيءُ دليلٍ خاصٍ، وفي طُلاَّب ذلك يقول السيد عبد الله الغماري رحمه الله تعالى ـ كما في مُقَدِّمة: "سُنِّية رفع اليدين" للأهدل ـ: "هؤلاء الذين لا يَكْتفون في المسألة بدليل يشملها بعمومه. ويطلبون دليلاً خاصاً بها، يلزمهم خطر عظيم في الدين، قد يُؤَدِّي بهم إلى الكفر وهم لا يَشْعرون!؛ لأنه لو كانت كل حادثة يُشترط في مشروعيتها، ونفي وصف البدعة عنها، وُرودُ دليل خاص بعينها ـ لتعَطَّلَتْ عموماتُ الكتاب والسنة، وبَطَل الاحتجاجُ بها، وذلك هَدْمٌ لمُعْظَم دلائل الشريعة، وتضييق لدائرة الأحكام. ويَلْزَمُ على ذلك أن تكون الشريعة غَيْرَ وافية بأحكام ما يَحْدُث من حوادث على امتداد الزمان، وهذه لوازم قد تؤدي إلى نقص في قدر الشريعة والنيل منها وهو كفر بواح" أ. هـ.
مع أن هناك من ذهب إلى بدعية ذلك الرفع لليدين عند دعاء الخطيب، ومنهم أبو شامة رحمه الله كما في: "الباعث" ـ وابن عابدين رحمه الله تعالى ـ كما في: "حاشية ابن عابدين". والله أعلم.
ذي القَعدة 1425هـ
http://saaid.net/Doat/asmari/fatwa/11.htm
¥