فإذا تقرر ذلك فاعلم أن عدم الخوارق علما وقدرة لا تضر المسلم في دينه فمن لم ينكشف له شيء من المغيبات ولم يسخر له شيئا من الكونيات -: لا ينقص ذلك في مرتبته عند الله بل قد يكون عدم ذلك أنفع له فإنه إن اقترن به الدين وإلا هلك صاحبه في الدنيا والآخرة فإن الخارق قد يكون مع الدين وقد يكون مع عدمه أو فساده أو نقصه فالخوارق النافعة تابعة للدين خادمة له كما أن الرياسة النافعة هي التابعة للدين وكذلك المال النافع كما كان السلطان والمال [النافع] بيد النبي صلى الله عليه وسلم و أبي بكر و عمر فمن جعلها هي المقصودة وجعل الدين تابعا لها ووسيلة إليها لا لأجل الدين في الأصل -: فهو شبيه بمن يأكل الدنيا بالدين وليست حاله كحال من تدين خوف العذاب أو رجاء الجنة فإن ذلك ما هو مأمور به وهو على سبيل نجاة وشريعة صحيحة والعجب أن كثيرا ممن يزعم أن همه قد ارتفع عن أن يكون خوفا من النار أو طلبا للجنة - يجعل همه بدينه أدنى خارق من خوارق الدنيا!!
ثم إن الدين إذا صح علما وعملا فلا بد أن يوجب خرق العادة إذا احتاج إلى ذلك صاحبه قال تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب} وقال تعالى: {إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا} وقال تعالى: {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا * وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما * ولهديناهم صراطا مستقيما} وقال تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} [وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ثم قرأ قوله {إن في ذلك لآيات للمتوسمين}] رواه الترمذي من رواية أبي سعيد الخدري [وقال تعالى فيما يرويه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه]
فظهر أن الاستقامة حظ الرب وطلب الكرامة حظ النفس وبالله التوفيق
وقول المعتزلة في إنكار الكرامة: ظاهر البطلان فإنه بمنزلة إنكار المحسوسات وقولهم: لو صحت لأشبهت المعجزة فيؤدي إلى التباس النبي صلى الله عليه وسلم بالولي وذلك لا يجوز! وهذه الدعوى إنما تصح إذا كان الولي يأتي بالخارق ويدعي النبوة وهذا لا يقع ولو ادعى النبوة لم يكن وليا بل كان متنبئا كذابا وقد تقدم الكلام في الفرق بين النبي والمتنبىء عند قول الشيخ: وأن محمدا عبده المجتبى ونبيه المصطفى
ومما ينبغي التنبيه عليه ههنا: أن الفراسة ثلاثة أنواع:
إيمانية وسببها نور يقذفه الله في قلب عبده وحقيقتها أنها خاطر يهجم على القلب يثب عليه كوثوب الأسد على الفريسة ومنها اشتقاقها وهذه الفراسة على حسب قوة الإيمان فمن كان أقوى إيمانا فهو أحد فراسة قال أبو سليمان الداراني رحمه الله: الفراسة مكاشفة النفس ومعاينة الغيب وهي من مقامات الإيمان انتهى
وفراسة رياضية وهي التي تحصل بالجوع والسهر والتخلي فإن النفس إذا تجردت عن العوائق صار لها من الفراسة والكشف بحسب تجردها وهذه فراسة مشتركة بين المؤمن والكافر ولا تدل على إيمان ولا على ولاية ولا تكشف عن حق نافع ولا عن طريق مستقيم بل كشفها من جنس فراسة الولاة وأصحاب عبادة الرؤساء والأظناء ونحوهم
وفراسة خلقية وهي التي صنف فيها الأطباء وغيرهم واستدلوا بالخلق على الخلق لما بينهما من الإرتباط الذي اقتضته حكمة الله كالإستدلال بصغر الرأس الخارج عن العادة على صغر العقل وبكبره على كبره وسعة الصدر على سعة الخلق وبضيقه على ضيقه وبجمود العينين وكلال نظرهما على بلادة صاحبهما وضعف حرارة قلبه ونحو ذلك
ـ[زياد عوض]ــــــــ[16 - 08 - 05, 08:57 ص]ـ
أرجو أن تكون الرؤيا قد وضحت عند بعض الإخوة ممن ناقشوا هذا الموضوع وشكر الله للشيخ الفقيه على توضيحاته وتعليقاته
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[16 - 08 - 05, 09:02 ص]ـ
بارك الله في الشيخ زياد ونفعنا بعلمه.
ـ[زياد عوض]ــــــــ[16 - 08 - 05, 09:06 ص]ـ
وفيك بارك، أسأل الله أن يرفع قدرك في الدنيا والأخرة0
ـ[ثابت عبد الإله]ــــــــ[17 - 08 - 05, 03:47 م]ـ
سؤال: ما هو الغيب
وأفيدونا مأجورين عن قول الله: فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين؟ ما هو الغيب هنا أهو أن سليمان سيموت أو أنه مات إذ: ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منساته، بارك الله فيكم.
ـ[علي إبراهيم الشافعي]ــــــــ[15 - 10 - 09, 02:59 ص]ـ
اخى فى اله عبد الرحمن الفقيه
ان الصوفية لست من البدع
لعلك تعلم ان معنى الصوفية هو إرتداء الصوف والخشن من الثياب كعلامة على الزهد فى حطام الدنيا
وأننا إذا قلنا أن التصوف بدعة إذن فإن من إنتهجه من العلماء مبتدعين مثل النووى والجيلانى وابن الجزرى وابن حجر العسقلانى وغيرهم كثير ولا يحصى
ولكن اقول الحق أن هناك ممن ينتسبون الى الصوفية يسيئون إليها
وما الصوفية إلا منهج تربية
¥