وفي آخر حياته ترك أبو المعالي ما كان ينتحله من مذهب الجهمية المعتزلة، قال في كتابه» الرسالة النظامية «:» اختلف مسالك العلماء في هذه الظواهر فرأى بعضهم تأويلها والتزم ذلك في آي الكتاب وما يصح من السنن، وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها إلى الرب عز وجل … «[مجموع الفتاوى (5/ 100 –101)] وانظر أيضاً [(العلو، للذهبي ص 187 - 188)]
فأحسنَ أبو المعالي في ترك مذهب الضُّلال والقول بترك التأويل- أي التحريف - في نصوص الصفات، ولكنهُ أخطأ في نسبة التفويض إلى السلف خطأً
عظيماً، وما ذلك إلا لأنه لم يكن على معرفةٍ كاملة وإحاطة تامةٍ بمذهب السلف رحمهم الله تعالى كما مر معنا،
ومع هذا فقد ندم أشد الندم على سلوكه الطريق السابق واختار أن يموت على عقيدة أمه أو عجائز نيسابور،فقال:» يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام فلو
أني عرفتُ أن الكلام يبلغ بي ما بلغ ما اشتغلت به، وقال عند موته: لقد خُضتُ البحر الخِضم وخلَّيت أهل الإسلام وعلومهم ودخلت فيما نهوني عنه،
والآن إن لم يتداركن الله برحمته فالويل لابن الجويني وها أنذا أموت على عقيدة أمي – أو قال –: عقيدة عجائز نيسابور «[مجموع الفتاوى (4/ 73)
الغزالي (أبو حامد) المتوفى سنة 505 هـ
أما الغزالي فقد تكلم عن نفسه في كتابه» المنقذ من الضلال «فبين أنه درس أولاً علم الكلام وثنى بالفلسفة وثلَّث بتعاليم الباطنية وربَّع بطريق الصوفية وأما طريقة السلف في تعلم آثار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده فلم يذكرها في كتابه، ولذلك تكلم فيه خَلقٌ من العلماء حتى أخص الناس به تكلموا فيه وحذروا منه ومن كُتبه، ونذكر منهم ما يلي:
أ -[الإمام محمد بن الوليد الطرطوشي المالكي] فقد كان من رُفقاء الغزالي واجتمع به وعرفه حق المعرفة، فقال في جواب لسائل يسأله عنه:
» سلامٌ عليك فإني رأيت أبا حامد وكلمته فوجدته امرءاً وافر الفهم والعقل وممارسةٍ للعلوم، وكان ذلك معظم زمانه، ثم خالف عن طريقِ العلماء ودخلَ في غِمار العمال، ثم تصوف فهجر العلوم وأهلها ودخل في علوم الخواطر وأرباب القلوب ووساوس الشيطان، ثم سابها وجعل يطعن على الفقهاء بمذاهبِ الفلاسفة ورموز الحلاج، وجعل ينتحي عن الفقهاء والمتكلمين، ولقد كاد أن ينسلخ من الدين … «
وقال عن كتابه» إحياء علوم الدين «:» وهو لعمر الله أشبه بإماتة علوم الدين … «
ثم قال عنه:» فلما عمل كتابه الإحياء عَمَدَ فتكلم في علوم الأحوال ومرامز الصوفية، وكان غير أنيسٍ بها ولا خبيرٍ بمعرفتها فسقط على أُم رأسه،
فلا في علماء المسلمين قَرَّ، ولا في أحوال الزاهدين استقرَّ، ثم شحن كتابه بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أعلم كتاباً على وجه الأرض أكثرُ كذباً على الرسول منه، ثم شبَّكهُ بمذاهب الفلاسفة ورموز الحلاج ومعاني رسائل إخوان الصفا … وما مثلُ من نصر الإسلام بمذاهب الفلاسفة والآراء المنطقية إلا كمن يغسل الثوب بالبول، ثم يسوق الكلام سوقاً يُرعد فيه ويبرق، ويُمنِّي ويُشوِّقُ، حتى إذا تشوفت له النفوس قال: هذا من علم المعاملة وما وراءه من علم المكاشفة لا يجوز تسطيره في الكتب، ويقول: هذا من سر الصدر الذي نُهينا عن إفشائه، وهذا فعل الباطنية وأهل الدَّغل والدَّخل في الدين، يستقل الموجود، ويُعلق النفوس بالمفقود، وهو تشويش لعقائد القلوب، وتوهين لما عليه الجماعة، فلئن كان الرجل يعتقدُ ما سطَّرهُ لم يَبعد تكفيرُهُ، وإن كان لا يعتقده فما أقربَ تضليلُه، وأما ما ذكرت من إحراق الكتاب فلعمري إذا انتشر بين من لا معرفة له بسمومه القاتلة خِيفَ عليهم أن يعتقدوا إذاً صحتَ ما فيه … «[انظر مقدمة كتاب الحوادث والبدع للإمام الطرطوشي (ص 17 –18)]
ب -[الإمام العلامة أبو عمرو بن الصلاح]
فقد ذكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح – فيما جمعهُ من طبقات أصحاب الشافعي وقرَّرهُ الشيخ أبو زكريا النووي – قال في هذا الكتاب:» فصلٌ في بيان
¥