تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد وفق الله تعالى الإمام أبا محمد الجويني والد أبي المعالي الجويني إلي التخلص من مذهب الأشاعرة والاعتراف بأن ما كانوا يقولون به في صفات الله تعالى من التأويل إنما هو تحريفٌ للكلم عن مواضعه، فذكر رحمه الله تعالى في رسالته المسماة:» بالنصيحة في إثبات الاستواء والفوقية ومسألة الحرف

والصوت في القرآن المجيد «قال فيها:» وبعد، فهذه نصيحةٌ كتبتها إلى إخواني في الله أهل الصدق والصفاء، والإخلاص والوفاء، لما تعيَّنَ علي محبتهم في الله، ونصيحتهم في صفات الله عز وجل …أُعرفهم فيها أيدهم الله تعالى بتأييده، ووفقهم لطاعته ومزيده، أنني كُنتُ برهةً من الدهر متحيراً في ثلاث مسائل: مسألة الصفات، ومسألة الفوقية، ومسألة الحرف والصوت، وكُنتُ متحيراً في الأقوال الموجودة في كتب أهل العصر في جميع ذلك من تأويل الصفات وتحريفها، أو إمرارها والوقوف فيها وإثباتها بلا تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل، فأجد النصوص في كتاب الله تعالى وسنة

رسوله صلى الله عليه وسلم ناطقةً بحقائق هذه الصفات، وكذلك في إثبات العلو والفوقية، وكذلك في الحرف والصوت، ثم أجد المتأخرين من المتكلمين في كُتبهم: منهم من يؤول الاستواء بالقهر والاستيلاء، ويؤول النزول بنزول الأمر، ويؤول اليدين بالقدرتين أو النعمتين، ويؤول القَدم

بقدم صدقٍ عند ربهم … وأمثال ذلك، ثم أجدهم مع ذلك يجعلون كلام الله تعالى معنىً قائماً بالذات بلا حرفٍ ولا صوتٍ ويجعلون هذه الحروف عبارة عن ذلك المعنى القائم، وممن ذهب إلى هذه الأقوال قومٌ لهم في صدري منزلة، مثل طائفة من فقهاء الأشعرية الشافعيين، لأني على مذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه، عرفتُ فرائض ديني وأحكامه، فأجد مثل هؤلاء الشيوخ الأجلة يذهبون إلى مثل هذه الأقوال وهم شيوخي ولي فيهم

الاعتقاد التام لفضلهم وعلمهم، ثم إنني مع ذلك أجد في قلبي من هذه التأويلات حزازاتٌ لا يطمئن قلبي إليها، وأجدُ الكدرَ والظُّلمةَ منها، وأجدُ

ضيقَ الصدر وعدم انشراحهِ مقروناً بها، فكنتُ كالمتحير المضطرب في تحيره المتململ من قلبه في تقلبه وتغيره،

وكنتُ أخافُ أن من إطلاق القول بإثبات العلو والاستواء والنزول، مخافة الحصر والتشبيه، ومع ذلك فإذا طالعت النصوص الواردة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أجدها نصوصاً تشير إلى حقائق هذه المعاني، وأجدُ الرسول صلى الله عليه وسلم قد صرَّح بها مُخبراً عن ربه واصفاً لهُ بها، وأعلم بالاضطرار أنه صلى الله عليه وسلم كان يَحضرُ مجلسهُ الشريف والعالم والجاهل والذكي والبليد والأعرابي والجافي؛ ثم لا أجد شيئاً يُعقبُ تلك النصوص التي كان يَصفُ ربهُ بها لا نصاً ولا ظاهراً مما يصرفها عن حقائقها ويؤولها كما تأولها هؤلاء مشايخي المتكلمين: مثل تأويلهم الاستواء بالاستيلاء، ونزول الأمر للنزول، وغير ذلك، ولم أجد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يُحذر الناس من الإيمان بما يظهر من كلامه في صفته لربه من الفوقية واليدين وغيرها، ولم يُنقل عنه مقالةً تدل على أن لهذه الصفات معاني أُخَر باطنة غير ما يظهر من مدلولها مثل فوقية المرتبة ويد

النعمة والقدرة وغير ذلك، وأجد الله عز وجل يقول: (الرحمن على العرش استوى) (خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش) (يخافون ربهم من فوقهم) (إليه يصعد الكلم الطيب) … ثم ذكر الأدلة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على إثبات علو الله تعالى على خلقه على ما يليق بجلال الله تعالى وعظمته وأنه هو الظاهر المراد من هذه النصوص،

ثم قال: إذا علمنا ذلك واعتقدناه تخلَّصنا من شُبهة التأويل وعماوة التعطيل وحماقة التشبيه والتمثيل، وأثبتنا علو ربنا سبحانه وفوقيته واستواءه على عرشه كما يليق بجلاله وعظمته، والحقُ واضحٌ في ذلك والصدور تنشرحُ له، فإن التحريف تأباه العقول الصحيحة مثل: تحريف الاستواء بالاستيلاء

وغيره، والوقوف في ذلك جهلٌ وعيٌّ، وع كون أن الرب تعالى وصف لنا نفسهُ بهذه الصفات لنعرفهُ بها، فوقوفنا عن إثباتها ونفيها عدولٌ عن المقصودِ

منه تعالى في تعريفنا إياها، فما وصف لنا نفسه بها إلا لِنُثبت ما وصف به نفسه ولا نقف في ذلك، وكذلك التشبيه والتمثيل حماقةٌ وجهالةٌ فمن وفَّقهُ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير