[دفع الإيهام عن تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام]
ـ[أبو عبد الله المليباري]ــــــــ[09 - 08 - 05, 09:11 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فلا يزال المناوئون لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله يطلقون قذائفهم لإطفاء نور التوحيد، ولكن أبى الله إلا أن يتم نوره ويعزَّ كلمته وينصر دينه. ومن هذه الدعاوى الخاوية الذين ينعقون بها قولهم: إن الشيخ هو أول من قسم التوحيد إلى ثلاثة توحيد ولم يسبقه أحد بهذا التقسيم. فكان لزاماً على أهل هذه الدعوة المباركة أن يبينوا الحق في هذه المسألة، وأن شيخ الإسلام لم يأت ببدعٍ من القول بل هو مجدِّد للتوحيد وحامل رايته في القرن الثاني عشر. غفر الله له وجزاه الله خيراً عن الإسلام والمسلمين.
ومن هذا المنطلق أردتُّ أن أكتب هذا البُحيث الصغير ليكون المسلمون على بينة من الأمر، وعلى بصيرة بدعوتهم. فأقول مستعيناً بالله تعالى:
أولاً: قبل أن أكتب عن تقسيم التوحيد، أودُّ أن أتعرض عن ماهية التوحيد. فأفضل تعريف للتوحيد كمصطلح على حدِّ علمي هو تعريف العلامة الشيخ محمد الصالح العثيمين وذلك في شرحه القيم على كتاب التوحيد: (إفراد الله سبحانه بما يختص به من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات) (1). والتوحيد هو مصدر وحَّد على وزن فعَّل، وكل ما كان على وزن (فعَّل) فمصدره على وزن (تفعيل).
ثانياً: إن التوحيد هو أساس دعوة الرسل جميعاً، وما بعثوا إلا ليقرروا هذا الأمر العظيم الذي ضلَّت عنه الأمم الكثيرة من لدن نبينا نوحٍ عليه السلام إلى نبينا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. قال تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ... ) الآية (2).
تقسيم التوحيد:
إن العلماء رحمهم الله قد سهَّلوا العلوم الشرعية على الناس بتبويبات وتقسيمات وتفريعات مختلفة وذلك حتى يكمل الفهم ويتم الاستيعاب، وتعبد الأمة ربَّها على علمٍ وبصيرة. فعلى سبيل المثال: قسَّم علماء الأصول الأحكام الشرعية إلى خمسة أحكام: الواجب والمندوب والمباح والمكروه والمحظور. وذلك بالنظر إلى الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، فوجدوا أن الأحكام تنحصر في هذه الخمسة. فهل نحكم عليه بالبدعة لأن الصحابة لم يعرفوا هذا التقسيم الخماسي؟ أم نقدِّر جهودهم في تسهيل وتيسير العلوم للأمة الإسلامية؟. فإذا كان الجواب: أننا نحكم ببدعيَّة هذا العمل فإنه يلزمنا أن نبدِّع جميع علماء المسلمين. وإذا كان الجواب: أننا نقدِّر جهودهم، فنقول: كذلك يدخل ضمن جهودِهم هذا التقسيم الثلاثي للتوحيد والذي نحن بصدده.
إذا نظرنا في كتب العلماء السابقين للشيخ محمد عبدالوهاب نجد فيها ما يدل على أن التوحيد مقسَّم إلى أقسام والذي يؤكِّد أن فعلة الشيخ حق وصواب. وسوف نذكر فيما يلي بعض عبارات الأئمة وأهل العلم الدالة على هذا التقسيم:
أولاً: التوحيد ينقسم إلى ثلاثةِ أقسام: قال الإمام الفقيه ابن أبي العزِّ الحنفي رحمه الله في شرحه على العقيدة الطحاوية: (التوحيد يتضمن ثلاث أنواع: أحدهما: الكلام في الصفات والثاني: توحيد الربوبية وبيان أن الله وحده خالق كل شيء والثالث: توحيد الألوهية، وهو استحقاقه سبحانه وتعالى أن يُعبد وحده لا شريك له) (3).
ثانياً: التفريق بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية: لتقرير هذه النقطة أرى من الأفضل الاستشهاد بكلام الإمام المفسر ابن جرير الطبري، حيث نجد في تفسيره في مواضع كثيرة الكلام على توحيد الربوبية والألوهية. وفيما يلي نستشهد ببعض عبارات الإمام الطبري للتدليل على هذه النقطة:
1 - قال عند تفسير 3/ 336 قوله تعالى: (وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً .. ) الآية (4): (يقول: وله خَشَع من في السموات والأرض، فخضع له بالعبودية وأقرَّ له بإفراد الربوبية، وانقاد له بإخلاص التوحيد والألوهية طوعاً وكرهاً). لعل القارئ كيف فرق الإمام الطبري بين العبودية والربوبية حيث بيَّن أن العبودية وهي الألوهية هي الخضوع لله بالعبادة والربوبية هي الإقرار بوحدانية الله وإفراده.
¥