فجاء الأمر كذلك
ثم تعقب الحافظ ذلك بقوله:
(وهذا مشكل جداً ولو حمل على ظاهره
لكان هؤلاء صحابة
ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة
ويعكر عليه أن جمعاً جماً رأوه في المنام
ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة وخبر الصادق لا يتخلف).
7 - قال السخاوي في رؤية النبي في اليقظة بعد موته:
(لم يصل إلينا ذلك - أي ادعاء وقوعها - عن أحد من الصحابة
ولا عمن بعدهم وقد اشتد حزن فاطمة عليه حتى ماتت كمداً بعده بستة أشهر على الصحيح
وبيتها مجاور لضريحه الشريف ولم تنقل عنها
رؤيته في المدة التي تأخرتها عنه)
نقل ذلك القسطلاني في "المواهب اللدنية" (5/ 295) عن السخاوي.
كما جاء عن عمر بن الخطاب على جلالة قدره وعظمة شأنه أنه كان يظهر الحزن
على عدم معرفته ببعض المسائل الفقهية فيقول:
(ثلاث وددت أن رسول الله لم يفارقنا حتى يعهد إلينا عهداً.: الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الرِبا) متفق عليه.
فلو كان يظهر لأحد بعد موته لظهر لعمر الفاروق وقال له: لا تحزن حكمها كذا وكذا.
8 - وقال ملا علي قاري في
"جمع الوسائل شرح الشمائل للترمذي" (2/ 238):
(إنه أي ما دعاه المتصوفة من رؤية النبي في اليقظة بعد موته لو كان له حقيقة لكان يجب العمل
بما سمعوه منه من أمر ونهي وإثبات ونفي ومن المعلوم أنه لا يجوز ذلك إجماعاً كما لا يجوز بما يقع حال المنام ولو كان الرائي من أكابر الأنام وقد صرح المازري وغيره بأن من رآه يأمر بقتل من يحرم قتله كان هذا من الصفات المتخيلة لا المرئية)
انتهى كلام الملا علي قاري
وفيه فائدة أخرى
هي حكايته الإجماع على عدم جواز العمل بما يدعى من يزعم أنه رأى النبي في اليقظة
أنه سمع منه أمر أو نهي أو إثبات أو نفي
وفي حكايته الإجماع على ذلك الرد على قول الزرقاني
في "شرح المواهب اللدنية" (7/ 29) ما نصه:
(لو رآه يقظة - أي بعد موته - وأمره بشيء وجب عليه العمل به لنفسه
ولا يعد صحابياً وينبغي أن يجب على من صدقه العمل به قاله شيخنا).
9 - قال العلامة رشيد رضا في "فتاويه" (6/ 2385):
(صرح بعض العلماء المحققين بأن دعوى رؤية النبي بعد موته في اليقظة
والأخذ عنه دعوى باطلة واستدلوا على ذلك بأن
أولى الناس بها لو كانت مما يقع ابنته سيدة النساء وخلفاؤه الراشدون وسائر أصحابه العلماء
وقد وقعوا في مشكلات وخلاف أفضى بعضه إلى المغاضبة وبعضه إلى القتال
فلو كان يظهر لأحد ويعلمه ويرشده بعد موته
لظهر لبنته فاطمة عليها السلام وأخبرها بصدق خليفته
أبى بكر فيما روى عنه من أن الأنبياء لا يورثون
وكذا للأقرب والأحب إليه من آله وأصحابه
ثم لمن بعدهم من الأئمة الذين أخذ اكثر أمته دينهم عنهم ولم يدع أحد منهم ذلك
وإنما ادعاه بعض غلاة الصوفية بعد خير القرون
وغيرهم من العلماء الذين تغلب عليهم تخيلات الصوفية
فمن العلماء من جزم بأن من ذلك ما هو كذب مفترى
وأن الصادق من أهل هذه الدعوى من خيل إليه في حال غيبة أو ما يسمى
"بين النوم واليقظة"
أنه رآه
فخال أنه رآه حقيقة على قول الشاعر:
ومثلك من تخيل ثم خالا.
والدليل على صحة القول
بأن ما يدعونه كذب أو تخيل ما يروونه عنه في هذه الرؤية
وبعض الرؤى المنامية مما تختلف باختلاف معارفهم وأفكارهم ومشاربهم وعقائدهم
وكون بعضه مخالفاً لنص كتاب الله وما ثبت من سنته ثبوتاً قطعياً
ومنه ما هو كفر صريح بإجماع المسلمين
نعم إن منهم من يجلهم العارف بما روى من أخبار استقامتهم
أن يدعوا هذه الدعوى افتراء وكذبا على رسول الله
ولكن غلبة التخيل
على المنهمكين في رياضاتهم وخلواتهم لا عصمة منها لأحد وكثيراً ما تقضي إلى جنون).
10 - قال الشيخ عبد الحي بن محمد اللكنوي - رحمه الله - في
"الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة" (ص46):
(ومنها - أي من القصص المختلقة الموضوعة - ما يذكرونه
من أن النبي يحضر بنفسه في مجالس وعظ مولده عند ذكر مولده وبنوا عليه القيام عند ذكر
المولد تعظيماً وإكراماً.
وهذا أيضا من الأباطيل لم يثبت ذلك بدليل
ومجرد الاحتمال والإمكان خارج عن حد البيان).
11 - قال الشيخ عبدالعزيز بن باز- رحمه الله - في
"حكم الاحتفال بالمولد النبوي":
(بعضهم يظن أن رسول الله يحضر المولد
ولهذا يقومون له محيين ومرحبين
وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل
فإن الرسول لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة
ولا يتصل بأحد من الناس
¥