لأنا نقول: هذا ذكر في سياق ما كان من الأعمال المفروضة وعلى العموم يوجب تركه الكفر، وما سوى ذلك من الاعتقادات فإنه ليس من الأعمال الظاهرة " ا. هـ
وكرر الاحتجاج به في المجموع (22/ 48) على الكفر الأكبر، وكذا احتج به ابن رجب في فتح الباري (1/ 23) ونقله ضمن أقوال المكفرين في جامع العلوم والحكم ص (44)
واحتج به كذلك البهوتي الحنبلي في كشاف القناع (1/ 221ـ229) وأيضا السيوطي الرحيباني في مطالب أولي النهى (1/ 283).
والأثر كما سبق لا يحتمل سياقه أن يكون الكفر المذكور فيه هو الكفر الأصغر، لأن الأعمال عند ذلك ستكون كثيرة ولا معنى لتخصيص الصلاة،كترك الزكاة وترك الحج والصوم ونحوها، وهذا هو مراد شيخ الإسلام بقوله:
" لأن بينه وبين غير ذلك مما يسمى كفرا أشياءً كثيرة "
وقوله في الأثر: " تركه كفر " نص في إخراج كل الأعمال التي يكون في فعلها كفر، كالسجود لغير الله ووطئ المصحف ونحوها، فهذه غير مرادة هنا لأن تركها إيمان.
أما أن الأثر دل على أن كفر تارك الصلاة المذكور هو قول عامة الصحابة وإجماع منهم فهذا الذي قرره
أهل العلم، ففي شرح العمدة (2/ 75) قال شيخ الإسلام:
" ولأن هذا إجماع الصحابة ... "
فذكر آثارا عن الصحابة ثم ذكر أثر عبد الله بن شقيق وأتبعه بأثر الحسن:
" بلغني أن أصحاب محمد كانوا يقولون: بين العبد وبين أن يشرك فيكفر أن يترك الصلاة من غير
عذر " ا. هـ
فكان من ضِمن ما استدل به على الإجماع.
وقال العلامة الشوكاني في نيل الأوطار (1/ 372) عن هذا الأثر:
" والظاهر من الصيغة أن هذه المقالة اجتمع عليها الصحابة، لأن قوله: كان أصحاب رسول الله، جمع مضاف وهو من المشعرات بذلك " ا. هـ
وكذا الحافظ أبو العلا محمد عبد الرحمن المباركفوري فقد قال كما في تحفة الأحوذي (7/ 309ـ310) عن هذا الأثر:
" ... الحصر يفيد أن ترك الصلاة عندهم كان أعظم الوزر، وأقرب إلى الكفر، قاله القارئ، قلت: بل قول عبد الله بن شقيق هذا بظاهره يدل على أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يعتقدون أن ترك الصلاة كفر، والظاهر من الصيغة أن هذه المقالة اجتمع عليها الصحابة لأن قوله:
" كان أصحاب رسول الله " جمع مضاف، وهو من والمشعرات بذلك " ا. هـ
وقال العلامة ابن باز ضمن مجموع فتاوى ومقالات الجزء العاشر:
" ... ولهذا ذكر عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل عن أصحاب النبي صلى الله علية وسلم: (أنهم كانوا لا يرون شيئا تركه كفر غير الصلاة)، فهذا يدل على أن تركها كفر أكبر بإجماع الصحابة رضي الله عنهم " ا. هـ
وقال العلامة ابن عثيمين:
" ونقل إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة عبد الله بن شقيق حيث قال: لم يكن أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة " ا0هـ
ولم يقل أحد من أهل العلم أن الأثر لا يتكلم عن قول عامة الصحابة.
فالخلاصة أن أثر ابن شقيق قد نص على أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامتهم على اعتبار أن ترك الصلاة كفر أكبر دون غيره من ترك الأعمال.
وبصيغة أخرى على وزن الأثر:
أجمع أصحاب رسول الله على أنه لا شيء من الأعمال يَكفر أحد بتركه، إلا الصلاة فهم مجمعون على أن تركها كفر مع أنها عمل.
فالإجماع منهم شامل لما قبل أداة الاستثناء، من اعتبار أنه لا شيء من الأعمال يعتبر تركه كفرا، ولما بعد أداة الاسثتناء من أن ترك الصلاة كفر، فكلا الأمرين مجمع عليهما، والدليل على هذا اتفاق أهل العلم عليه، ممن حمل الأثر على ظاهره على الكفر الأكبر، وممن استدل به على الإجماع كابن تيمية وغيره، وممن تأوله على غير ذلك (8) فجميعهم لم يفرقوا في حكاية ذلك عن الصحابة.
بل هذا ما نُصّ عليه في الأثر نفسه من رواية عبد الأعلى السابقة، فقد جاء فيها:
" ما كانوا يقولون لعمل تركه رجل كفر غير الصلاة، قال: كانوا يقولون تركها كفر "
فنص على اتفاقهم أيضا في تكفير تارك الصلاة كما هو في عدم التكفير بترك باقي الأعمال
"ما كانوا يقولون ... " و " كانوا يقولون ... "
فالاتفاق مَحْكي في الأمرين.
¥