تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأولى: مسألة العلو والفوقية والاستواء هو: أن الله- عز وجل- كان ولا مكان، ولا عرش ولا ماء، ولا فضاء، ولا هواء، ولا خلاء، ولا ملأ، وأنه كان منفرداً في قدميته وأزليته، هو متوحد في فردانيته، وهو سبحانه وتعالى في تلك الفردانية لا يوصف بأنه فوق كذا إذ لا شيء غيره، هو سابق للتحت والفوق اللذين هما جهتا العالم، وهما لازمتان لها، والرب تعالى في تلك الفردانية منزه عن لوازم الحدث وصفاته، فلما اقتضت الإرادة المقدسة بخلق الأكوان المحدثة المخلوقة المحدودة ذات الجهات اقتضت الإرادة المقدسة على أن يكون الكون له جهات من العلو، والسفل، وهو سبحانه منزه عن صفات الحدث، فكوَّن الأكوان، وجعل لها جهتا العلو والسفل، واقتضت الحكمة الإلهية أن يكون الكون في جملة التحت؛ لكونه مربوباً مخلوقاً، واقتضت العظمة الربانية أن يكون هو فوق الكون باعتبار الكون لا باعتبار فردانيته إذ لا فوق فيها ولا تحت، ولكن الرب سبحانه وتعالى كما كان في قدمه وأزليته، فهو الآن كما كان، لكن لما حدث المربوب المخلوق، والجهات، والحدود ذو الخلا، والملا، وذو الفوقية، والتحتية، كان مقتضى حكم عظمة الربوبية أن يكون فوق ملكه، وأن تكون المملكة تحته باعتبار الحدوث من الكون لا باعتبار القدم من المكون، فإذا أشير إليه يستحيل أن يشار إليه من جهة التحتية، أو من جهة اليمنى، أو من جهة اليسرى، بل لا يليق أن يشار إليه من جهة العلو والفوقية ثم الإشارة هي بحسب الكون وحدوثه، وتسفله، فالإشارة تقع على أعلى جزء من الكون حقيقة وتقع على عظمة الإله تعالى كما يليق به لا كما تقع على الحقيقة المعقولة عندنا في أعلا جزء من الكون، فإنها إشارة إلى جسم، وتلك إشارة إلى إثبات، إذا علم ذلك فالاستواء صفة كانت له سبحانه في قدمه لكن لم يظهر حكمه إلا في الآخرة، وكذلك التجلي في الآخرة لا يظهر حكمه إلا في محله.

تنبيه: إذا علم ذلك فالأمر الذي تهرب المتأولة منه حيث أوَّلوا الفوقية بفوقية المرتبة، والاستواء بالاستيلاء فنحن أشدُّ الناس هرباً من ذلك وتنزيهاً للباري تعالى عن الحدِّ الذي يحصره فلا يحد بحدٍّ يحصره، بل بحد تتميز به عظمته وذاته ليس مخلوقاته، والإشارة إلى الجهة (1) إنما هي بحسب الكون، وتسفله إذ لا يمكن الإشارة إليه إلا هكذا، وهو فد قِدَمه سبحانه منزه عن صفات الحدوث، وليس في القِدم فوقية ولا تحتية، وإن من هو محصور في التحت لا يمكنه معرفة باريه إلا من فوق فتقع الإشارة على العرش حقيقة إشارة معقولة، وتنتهي الجهات عند العرش، ويبقى ما وراءه لا يدركه العقل، ولا بكيفية الوهم فتقع الإشارة عليه كما يليق به مجملاً ثابتاً لا مكيفاً، ولا ممثلاً وجه من البيان، الرب ثابت الوجود ثابت الذات، له ذات مقدسة متميزة عن مخلوقاته تجلى للأبصار يوم القيامة، ويحاسب العالم فلا يجهل ثبوت ذاته، وتميزها عن مخلوقاته، فإذا ثبت ذلك فقد أوجد الأكوان في محل وحيِّز، وهو سبحانه في قِدَمه منزَّهٌ عن المحل والحيِّز فيستحيل شرعاً وعقْلاً عند حُدُوث العَالم أن يحمل فيه، أو يَخْتلِط به؛ لأن القديم لا يحلُّ في الحادِث، وليس هو محلاًّ للحوادث فلزم أن يكون بايناً عنه، وإذا كان بايناً عنه يستحيل أن يكون العالم في جهة الفوق وأن يكون ربه في جهة التحت هذا مُحَال شرعاً وعقلاً فيلزم أن يكون العالم في جهة الفوق، فوقه بالفوقية اللائقة به التي لا تُكيَّف ولا تمثّل بل تعلم من حيث الجملة والثبوت لا من حيث التثميل (1) والتكييف (2) وقد سبق الكلام في أن الإشارة إلى الجهة إنما هو باعتبارنا لأنَّا في محلٍ وحدٍ وحيزٍ، والقدم لا فوق فيه ولا تحته، ولابد من معرفة الموجِد وقد ثبت بينونته عن مخلوقاته، واستحال علوها عليه فلا يمكن معرفته والإشارة بالدعاء إليه إلا من جهة الفوق لأنها أنسب الجهات إليه، وهو غير محصور فيها، وهو كما كان في قدمه وأزليته، فإذا أراد المحدث أن يُشير إلى القدم فلا يمكنه ذلك إلا بالإشارة إلى الجهة الفوقية؛ لأن المشير في محل له فوق وتحت، والمشار إليه قديمٌ باعتبار قِدَمِهِ لا فوق هناك ولا تحت، وباعتبار (3) حدوثنا وتسفُّلِنا هو فوقنا، فإذا أشرنا إليه تقع الإشارة عليه كما يليقُ به لا كما نتوهمه في الفوقية المنسوبة إلى الأجسام لكننا نعلمها من جهة الإجمال والثبوت لا من جهة التمثيل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير