فليس في كونه فوق العرش وفوق ما يقال له جهة ومكان وحيز وإن كان موجودا، إثبات شرف لذلك المخلوق أعظم من شرف الله تعالى.
وهذا قد يجيب به من يثبت الخلاء ويجعله مبدعا لله تعالى.
الوجه الثالث أنه إذا كان عاليا على ما يسمى جهة، ومكانا، كان هو أعلى منه فأي شرف، وعلو كان لذلك الموجود بالذات، أو بالعرض، فعلو الله أكمل منه.
الوجه الرابع أن يقال: لا نسلم أن العلو الحاصل بسبب الجهة هو لها بالذات، ولغيرها بالعرض، إذ الجهة تابعة لغيرها سواء كانت موجودة، أو معدومة، وعلوها تبع لعلو العالي بها، فكيف يكون العلو للتابع بالذات وللمتبوع بالعرض.
وقولنا عال بالجهة، مثل قولنا عال بالعلو، وعالم بالعلم، وقادر بالقدرة، أو عال علو المكانة، أو عال بالقهر فليس، في ذلك ما يوجب أن تكون المكانة، والقهر، والعلو والعلم، أكمل من القاهر العالم، العالي ذي المكانة العالية.
ومهما قدر أنه يسمى جهة فإما أن يكون عدما فلا شرف له أصلا، وإما أن يقدر موجودا، إما صفة لله، وإما مخلوقا لله، وعلى التقديرين، فالموصوف أكمل من الصفة، والخالق أكمل من المخلوق.
فكيف تكون الصفات والمخلوقات أكمل من الموصوف الخالق سبحانه وتعالى.
الوجه الخامس أن الجهة قد نعني بها نسبة، وإضافة كاليمين، واليسار، والأمام، والوراء، فالعلو إذا سمي جهة بهذا الاعتبار، كان العالي بالجهة معناه أن بينه وبين ما هو عال عليه نسبة، وإضافة، أوجبت أن يكون هذا فوق هذا، فهل يقال إن هذه النسبة والإضافة التي بها وصف العالي، بأنه عال أكمل من ذاته العالية الموصوفة بهذا العلو والنسبة.
الوجه السادس: أن يقال هذا الذي قاله إنما يتوجه في المخلوق إذا علا على سقف، أو منبر، أو عرش، أو كرسي، أو نحو ذلك، فإن ذلك المكان كان عاليا بنفسه، وهذا صار عاليا لما صار فوقه بسبب علو ذلك.
فالعلو لذلك السقف والسرير والمنبر بالذات، ولهذا الذي صعد عليه بالعرض، فكلامهم يتوجه في مثل هذا.
وهذا في حق الله وهم، وخيال فاسد، وتمثيل لله بخلقه، وتشبيه له بهم في صفات النقص، التي يتعالى عنها، وهؤلاء النفاة كثيرا ما يتكلمون بالأوهام، والخيالات الفاسدة، ويصفون الله بالنقائص ولآفات، ويمثلونه بالمخلوقات، بل بالناقصات، بل بالمعدومات، بل بالممتنعات.
فكل ما يضيفونه إلى أهل الإثبات، الذين يصفونه بصفات الكمال، وينزهونه عن النقائص، والعيوب، وأن يكون له في شيء من صفاته كفو، أو سمي، فما يضيفونه إلى هؤلاء من زعمهم أنهم يحكمون بموجب الوهم، والخيال الفاسد، أو أنهم يصفون الله بالنقائص، والعيوب، أو أنهم يشبهونه بالمخلوقات، هو بهم أخلق وهو بهم أعلق، وهم به أحق فإنك لا تجد أحدا سلب الله ما وصف به، نفسه من صفات الكمال إلا وقوله، يتضمن لوصفه بما يستلزم ذلك، من النقائص، والعيوب، ولمثيله بالمخلوقات، وتجده قد توهم وتخيل أوهاما، وخيالات فاسدة، غير مطابقة، بنى عليها قوله من جنس هذا الوهم والخيال، وأنهم يتوهمون ويتخيلون أنه إذا كان فوق العرش محتاجا إلى العرش كما أن الملك إذا كان فوق كرسيه كان محتاجا إلى كرسيه.
وهذا عين التشبيه الباطل، والقياس الفاسد، ووصف الله بالعجز، والفقر إلى الخلق، وتوهم أن استواءه مثل استواء المخلوق، أولا يعلمون أن الله يحب أن نثبت له صفات الكمال ن وننفي عنه مماثلة المخلوقات، وأنه ليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا أفعاله، فلا بد من تنزيهه عن النقائص، والآفات، ومماثلة شيء من المخلوقات.
وذلك يستلزم إثبات صفات الكمال، والتمام التي ليس فيها كفو لذي الجلال،والإكرام.
وبيان ذلك هنا أن الله مستغن عن كل ما سواه، وهو خالق كل
مخلوق، ولم يصر عاليا على الخلق بشيء من المخلوقات ن بل هو سبحانه خلق المخلوقات، وهو بنفسه عال عليها، لا يفتقر في علوه عليها إلى شيء منها، كما يفتقر المخلوق إلى ما يعلو عليه من المخلوقات وهو سبحانه حامل بقدرته للعرش ولحملة العرش.
وفي الأثر أن الله لما خلق العرش أمر الملائكة بحمله، قالوا ربنا كيف نحمل عرشك وعليه عظمتك، فقال قولوا لا حول ولا قوة إلا بالله.
فإنما أطاقوا حمل العرش بقوته تعالى، والله إذا جعل في مخلوق قوة أطاق المخلوق حمل ما شاء أن يحمله من عظمته، وغيرها فهو بقوته، وقدرته الحامل، للحامل والمحمول، فكيف يكون مفتقرا إلى شيء، وأيضافالمحمول من العباد بشيء عال لو سقط ذلك العالي، سقط هو والله أغنى وأجل وأعظم من أن يوصف بشيء من ذلك.
وأيضا فهو سبحانه خلق ذلك، المكان العالي، والجهة العالية، والحيز العالي، إذا قدر شيئا موجودا، كما لو جعل ذلك اسما للعرش، وجعل العرش هو المكان العالي، كما في شعر حسان:
% تعالى علوا فوق عرش إلهنا % وكان مكان الله أعلى وأعظما %
فالمقصود أنه خلق المكان وعلاه وبقوته صار عاليا، والشرف الذي حصل لذلك المكان العالي منه، ومن فعله، وقدرته، ومشيئته فإذا كان هو عاليا علا ذلك، وهو الخالق له وذلك مفتقر إليه من كل وجه.
وهو مستغن عنه من كل وجه، فكيف يكون قد استفاد العلو منه، ويكون ذلك المكان أشرف منه
، وإنما صار له الشرف به، والله مستحق للعلو والشرف بنفسه لا بسبب سواه.
فهل هذا وأمثاله إلا من الخيالات والأوهام الباطلة، التي تعارض بها فطرة الله التي فطر الناس عليها، والعلوم الضرورية والقصود الضرورية، والعلوم البرهانية القياسية، والكتب الإلهية، والسنن النبوية، وإجماع أهل العلم، والإيمان من سائر البرية) أ. هـ
http://www.h-alali.net/npage/fatwa_open.php?id=5133
علما بأن الشيخ راجعته فقال ان كلام الشيخ يؤول على التفصيل الذي ذكره ابن تيمية ولم يقصد اثبات الصفة
للرفع