ويحاول طوكفيل – أحد أقطاب الليبرالية في القرن التاسع عشر – أن يحدد معنى الحرية فيقول:"إن معنى الحرية الصحيح هو أن كل إنسان نفترض فيه أنه خلق عاقلاً يستطيع حسن التصرف , يملك حقاً لايقبل التفويت في أن يعيش مستقلاً عن الآخرين في كل ما يتعلق بذاته وأن ينظم كما يشاء حياته الشخصية" (14) ونظراً لكون الحرية مفهوماً عاماً يوصل إلى التعارض والتنازع بين الحريات المتناقضة فإن هيمون يتمنى أن توضع الليبرالية في مقابل النظرية الانفلاتية , وهذا تغيير لمفهوم الحرية (الانفلات) "وعندئذ يمكن أن تكون الأولى (الليبرالية) معتبرة بوصفها النظرية الأخلاقية والسياسية التي تتوق إلى حرية الفرد أيما توق , وتحدّ في الوقت نفسه من المطالبة أو الحصول على هذه الحريات عندما تغدو إباحيات مضرة بالآخر (بمعنى إعلان الحقوق) في المقابل يمكن للنظرية الانفلاتية أن تكون صورة للفردية التي لاتعترف بأي حد مألوف وقانوني للحرية الفردية فهي وحدها الحكم على حقوق الفرد وفقاً لقوته" (15)
ويقابل الليبرالية مجموعة من المصطلحات المناقضة لمفهوم الحرية بالمعنى الليبرالي مثل الاستبدادية ( autocrtisme)(16) , والحكومة الأوتوقراطية هي الحكومة الفردية المطلقة المستبدة , و autocratic) ) أي حاكم استبدادي. (17)
خلاصة:
الليبرالية لها مفاهيم متعددة بحسب ما تضاف إليه , ويجمعها الاهتمام المفرط بالحرية , وتحقيق الفرد لذاته , واعتبار الحرية هدفاً وغاية في ذاتها.
فالليبرالية هي "نظرية الحرية" , وهي نظرية ذات أطياف متعددة وجوانب مختلفة , وبمقادير متفاوتة.
والحرية – كما يلا حظ الباحث المدقق – مفهوم عام يمكن أن يعني به الحرية المطلقة دون معنى محددا , وقد يريد به البعض معنا محددا معينا.
ولكن المفهوم الفلسفي لهذا المذهب الفكري هو الحرية المطلقة التي لا تحدها الحدود ولا تمنعها السدود الا ما كان فيها تجاوز لحريات الآخرين على قاعدة (تنتهي حريتك حيث تبدأ حريات الآخرين).
ومن أستعمل هذا المصطلح لغير هذا المفهوم الشمولي فهو غير مصيب في استعمال المصطلح في غير مجاله وكان الأولى به البحث عن لفظ يناسب معناه غير هذا المصطلح.
وهذا يكشف مدى تردد الليبراليين العرب بين مفهوم المصطلح الفلسفي وبين انتسابهم للأسلام المناقض له من الجذور والأصول.
المبحث الثاني: الليبرالية عند جون ستوارت مل (18).
يعتبر (ملْ) من أبرز المفكرين الغربيين الذين نظّروا للفلسفة الليبرالية من خلال كتابه (في الحرية – on librty) (19) – والذي أصبح المصدر الأساسي لفكر الليبراليين العرب من أمثال أحمد لطفي السيد , وطه حسين , وحسين هيكل. (20)
أخذ (مل) موضوع الليبرالية من الجهة التطبيقية والاجتماعية ولم يناقشها من الناحية الفلسفية المجردة فيقول:"لا يتناول هذا المقال ما يسمى حرية الإرادة , وهي التي تتعارض مع ما يدعى خطأ بفلسفة الضرورة , ولكنه بحث في الحرية المدنية الاجتماعية". (21)
وقد تحدث (مل) عن حركة الفكر وقال عن المعتقدات الدينية:"ولاأقول أن الاعتقاد بصدق العقيدة مدعاة للعصمة , بل إن ماأقوله إن ادعاء العصمة معناه إجبار الغير على قبول ما نراه في العقيدة دون أن نسمع رأيه فيها , ولا أستطيع أن أدعي العصمة حتى وإن كانت لحماية أعز معتقداتي".
ويقيد مل الحرية حتى لاتصبح انفلاتية متناقضة فيقول:"كلما تعين ضرر واقع أو محتمل, إما للفرد وإما للعموم ينزع الفعل الذي يتسبب في الضرر من حيّز الحرية ليلحق بحيّز الأخلاق أو بحيّز القانون".
ويقول:"إن ما يخص الفرد وحده هو من حقوقه , ومايخص المجتمع فهو حق للمجتمع".
ويرى مل أن الدولة لابد أن يكون لها حَدّ معين تقف عنده لينمو رصيد الحرية عند الأفراد سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو غيره وأنه بدون ذلك سيتحول الأمر إلى استبداد حتى لو كان هناك حرية في مجال معين أو انتخاب تشريعي. (22)
يقول مل:
¥