أن يكون الله كلم موسى. وأرادوا أن ينفوا أن يكون القرآن كلام الله، أرى أن يستتابوا فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم".
وقال الإمام العلامة الشيخ أبوبكر محمد بن حسين الآجري التلميذ الرشيد للإمام أبي داوود السجستاني في كتابه العظيم "الشريعة": "القرآن كلام الله عز وجل، وأن كلامه جل وعلا ليس بمخلوق، ومن زعم أن القرآن مخلوق فقد كفر"، ثم قال رحمه الله تعالى: "اعلموا رحمنا الله تعالى وإياكم أن قول المسلمين الذين لم تزغ قلوبهم عن الحق، ووفقوا للرشاد قديما وحديثا، أن القرآن كلام الله عز وجل ليس بمخلوق، لأن القرآن من علم الله تعالى عز وجل، وعلمه لا يكون مخلوقا تعالى عز وجل عن ذلك، دل على ذلك الكتاب والسنة، وقول الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وقول أئمة المسلمين رحمة الله عليهم، ولا ينكر هذا إلا جهمي خبيث، والجهمية عند العلماء كفرة".
ثم بدأ بإيراد الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة فأجاد وأفاد رحمه الله رحمة واسعة.
وقال الإمام أبو داوود السجستاني صاحب السنن في كتابه الفذ المبارك "مسائل الإمام أحمد" تحت باب في الجهمية: "أخبرنا أبوبكر قال أبو داوود: سمعت أحمد قال: "سمعت عبد الرحمن بن مهدي أيام صنع بشر المريس ما صنع يقول: من زعم أن الله لم يكلم موسى يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه".
وقال الإمام الحافظ الكبير محمد بن إسحاق بن خزيمة صاحب الصحيح في كتابه العظيم كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب… باب ذكر البيان من كتاب ربنا المنزل على نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومن سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على الفرق بين كلام الله عز وجل الذي به يكون خلقه، وبين خلقه الذي يكون بكلامه وقوله، والدليل على نبذ قول الجهمية الذين يزعمون أن كلام الله مخلوق، جل ربنا وعز عن ذلك؛ ثم ساق الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على ذلك
ثم قال رحمه الله تعالى: "فاسمع الآن الأخبار الثابتة الصحيحة بنقل العدل عن العدل موصولا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الدالة على أن كلمات ربنا ليست بمخلوقة على ما زعمت المعطلة الجهمية، عليهم لعائن الله". وبعد سياقه الروايات الكثيرة قال: "أفليس العلم محيطا - يا ذوي الحجا - أنه غير جائز أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتعوذ بخلق الله من شر خلقه، هل سمعت عالما يجيز أن يقول: أعوذ بالكعبة من شر خلق الله، أو يجيز أن يقول: أعوذ بالصفا والمروة، أو أعوذ بعرفات ومنى من شر ما خلق الله، هذا لا يقوله ولا يجيز القول به مسلم يعرف دين الله محال أن يستعيذ مسلم بخلق الله من شر خلقه" ثم قال: "ولذكر القرآن أنه غير مخلوق مسألة طويلة تأتي في موضعها من هذا الكتاب إن وفق الله ذلك لإملائها".
قلت: وقد ألف الإمام أبو عبد الرحمن عبد الله بن الإمام أحمد بن محمد بن حنبل كتابا عظيما جليلا وسماه السنة، وقد طبع لأول مرة على نفقة جلالة الإمام المغفور له - إن شاء الله - عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود المعظم، وهو جدير بهذا الشأن الخطير.
فهذه بعض النقول عن أئمة السلف رحمهم الله تعالى نصت على أن القرآن كلام الله تعالى حقيقة وليس بمخلوق، ومن يذهب خلاف هذا المذهب فهو كافر عندهم كما جاء عن الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى، وعن غيره من أئمة الإسلام السابقين
ولا أزيد على هذه النقول إلا كلمة واحدة وهي: أشهد الله تعالى على أنها حق وصدق ودين أدين الله بها فأقول- وإن كنت لست ممن يعتمد على كلامه -: إن القائل بخلق القرآن كافر مرتد حلال الدم والمال، يفرق بينه وبين زوجته المسلمة.
وأما قول الشيخ الكوثري في شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وفي بحوثه كما مر بكم آنفا من كلامه فأقول: ليس هذا أول سهام مسمومة توجه إلى حامل لواء السنة النبوية، وقد سبق الكوثري في هذا الشيخ الهيتمي المكي في كتبه ورسائله التي وصفها العلامة الإمام أبي المعالي محمود شكري الألوسي في كتابه غاية الأماني في الرد على النبهاني بقوله: "وأما كتب ابن حجر "المكي" التي فرح بها الزائغ، فإنها لا تصلح عند من له بصيرة ونظر لغير العطار والإسكاف، فهي إما مزاود للعقاقير، وإما بطائن للخفاف، حيث إنها قشور لا لب فيها، وهكذا كتب السبكي وابنه".
قلت: وهكذا بعض كتب أحمد زيني دحلان ومحمد زاهد الكوثري.
¥