ثم يقول العلامة الشيخ رشيد رضا: "وجملة ما يقال عن هذا الكتاب أنه ليس ردا على الشيخ دحلان وحده، ولا على من احتج بما نقله عنهم من الفقهاء مما لا حجة فيه، كالشيخ تقي الدين السبكي، والشيخ ابن حجر الهيتمي المكي، بل هو رد على جميع القبوريين، والمبتدعة، حتى الذين جاءوا بعده إلى زماننا هذا".
قلت: هكذا وصف العلامة الشيخ رشيد رضا هذا الرد المحكم، فوجب عليك أن تطالعه، وكتاب غاية الأماني في الرد على النبهاني، للعلامة الإمام أبي المعالي محمود شكري الألوسي، وأن تجرد نفسك عن التعصب لأحد كائنا من كان إلا للحق وحده، والله جل وعلا سوف يفتح عليك، ويشرح صدرك للحق.
ولا أريد أن أنقل لك الأمثلة الكثيرة التي استدل بها الشيخ دحلان على دعواه الباطلة من مخالفته طريق الحق والصواب في كتابه" الدرر السنية في الرد على الوهابية" وقد رد عليه العلامة بشير في كتابه هذا المبارك "صيانة الإنسان" وعلى كل دليل باطل استدل به على زعمه الباطل، فأورد لك مثالا واحدا، فانظر ثم انظر كيف استدل به على دعواه الباطلة من جواز نداء الأموات.
قال العلامة بشير في صيانة الإنسان: "قوله "أي قول الدحلان" وروى البخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه، أن فاطمة رضي الله تعالى عنها قالت لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبتاه" إلى قوله: ففي هذا الحديث أيضا نداؤه صلى الله عليه وسلم بعد وفاته…".
أجابه العلامة بشير رحمه الله تعالى بقوله: "هذا ليس من النداء في شيء، بل هو ندبة، يرشدك إلى هذا كون هذا الكلام صادرا وقت الوفاة، ووقوع لفظ النعي فيه، وزيادة الألف في آخره لمد الصوت المطلوب في الندبة، فالقول بكونه نداء أدل دليل على جهل قائله".
قلت: هذا الحديث أخرجه البخاري، والإمام أحمد في المسند، والنسائي وابن ماجة، والدارمي في سننهم , وتكلم عليه الحافظ في الفتح بقوله: " (يا أبتاه) كأنها قالت: يا أبي، والمثناة بدل من التحتانية، والألف للندبة، ولمد الصوت، والهاء للسكت".
قلت: هكذا مبلغ علم دحلان في السنة النبوية وعلمه في اللغة العربية ومع ذلك فهو شيخ الإسلام وحجة الأنام، ومفتي الأنام. فلا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، ولقد صدق المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديثه الصحيح الذي أخرجه البخاري من الجامع الصحيح وكذا مسلم، والإمام أحمد في مسنده، والترمذي في الجامع وكذا ابن ماجة، والدارمي في سننه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينزعه عن الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا".
هكذا كانت الأحوال في مكة المكرمة وغيرها من المدن الإسلامية بسيطرة هؤلاء الجهلة على مناصب هامة من الدولة، وعن طريقهم فشت البدعة، وظهرت الفتن والشرك، وخفي على الناس أمر دينهم الصحيح الذي أنزل الله تعالى به الكتب، وأرسل الرسل.
استدل هذا شيخ الإسلام، ومفتي الأنام المزعوم على جواز نداء الميت بعد الموت بحديث ضعيف أخرجه الإمام أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير، عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه بسياقة طويلة، وفيه التلقين للميت بعد الموت. قال الشيخ دحلان: "وفي التلقين الخطاب والنداء، وقد ذكره كثير من الفقهاء، واستندوا في ذلك على هذا الحديث، فكيف يمنعون النداء مطلقا؟ ".
أجابه العلامة بشير بجواب مفصل ومقنع، واستند رحمه الله تعالى على عدم صحة هذا الخبر، ونقل عن أئمة الجرح والتعديل ما يكفي ويشفي في هذا الباب، ثم نقل عن الإمام ابن القيم من كتابه "الروح" أنه قال: "وحاصل كلام الأئمة أنه حديث ضعيف، والعمل به بدعة، ولا يغتر بكثرة من يفعله, وفي نزل الأبرار: "وقد أنكر هذا التلقين جماعة من أهل العلم وبدعوه"؛ انظر ذلك في الهدي النبوي وغيره، كثمار التنكيت للمؤلف. قلت: والحديث أورده صاحب مجمع الزوائد وقال في نهاية الحديث: "رواه الطبراني في الكبير، وفيه من لم أعرفه جماعة". قلت: لأن في سنده عاصم بن عبد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي أيضا. قال الذهبي: "ضعفه مالك". وقال يحيى: "ضعيف لا يحتج به". وقال ابن حبان: "كثير الوهم، فاحش الخطأ فترك". وقال أحمد: "قال ابن عيينة: كان الأشياخ يتقون حديثه". وقال النسائي: "ضعيف". وقال أبو زرعة وأبو حاتم: "منكر الحديث". وقال الدار قطني: "يترك، وهو مغفل".
وفي الختام أدعو الله جل وعلا، وأتضرع إليه سبحانه وتعالى أن يهدينا جميعا صراطه المستقيم، ويرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، ويجعلنا من دعاة الحق وأنصاره {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (الحشر: من الآية10)
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
منقووول
وتفضل وحمل المقال من المرفقات على هيئة ملف وورد
¥