تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[24 - 12 - 05, 10:05 م]ـ

15 – قال الحافظ ابن حجر 4/ 253 على حديث رقم (2010): " والتحقيق أنها إن كانت مما تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي حسنة، وإن كانت مما تندرج تحت مستقبح في الشرع فهي مستقبحة، وإلا فهي من قسم المباح، وقد تنقسم إلى الأحكام الخمسة".

قال الشيخ البراك: قوله: "والتحقيق أنها إن كانت – أي البدعة – مما تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي حسنة .... إلخ": تقسيم البدعة في الشرع إلى حسنة محمودة وسيئة مذمومة مذهب لبعض العلماء، وهو راجع إلى التوسع في معنى البدعة؛ وذلك بالنظر إلى معناها اللغوي، فإنه يشمل كل ما أحدث في الإسلام مما لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كانت أصول الشريعة تقتضيه. ويجري على ذلك قول عمر رضي الله عنه في جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد، وقد أدى هذا المذهب إلى التذرع به في تسويغ كل ما استحسنه الناس بآرائهم، وعَدُّوه من الدين.

والتحقيق أن كل بدعة في الدين فهي سيئة مذمومة لقوله صلى الله عليه وسلم: "وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وعلى هذا فما تقتضيه أصول الشريعة مما أحدث بعد موته صلى الله عليه وسلم ليس بدعة شرعية بل لغوية.

16– قال الحافظ 5/ 183 على حديث رقم (2559): "وقد قال المازري: غلط ابن قتيبة فأجرى هذا الحديث على ظاهره، وقال: صورة لا كالصورة، انتهى.

وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد، وأحمد من طريق ابن عجلان، عن سعيد، عن أبي هريرة مرفوعا: "لا تقولوا: قبح الله وجهك، ووجه من أشبه وجهك؛ فإن الله خلق آدم على صورته" وهو ظاهر في عود الضمير على المقول له ذلك ... ".

قال الشيخ البراك: قوله: "قال المازري: غلط ابن قتيبة فأجرى هذا الحديث على ظاهره .. إلخ": ابن قتيبة يعرف بخطيب أهل السنة، وله جهود في الرد على الزنادقة والمعتزلة كما في "تأويل مختلف الحديث" له. وما ذهب إليه ابن قتيبة رحمه الله تعالى من إثبات الصورة لله عز وجل، وأنها ليست كصورة أحد من الخلق ـ فله سبحانه وتعالى صورة لا كالصور ـ هو مذهب جميع أهل السنة المثبتين لكل ما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فكما يقولون: له وجه لا كوجوه المخلوقين، يقولون: له صورة لا كصور المخلوقين، وقد دل على إثبات الصورة لله عز وجل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الطويل: "وتبقى هذه الأمة وفيها منافقوها، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفونها"، وهو نص صريح لا يحتمل التأويل، فلهذا لم يخالف أحد من أهل السنة في دلالته.

وأما حديث: "فإن الله خلق آدم على صورته" فقد استدل به أكثر أهل السنة على إثبات الصورة أيضاً، وردوا الضمير إلى الله تعالى، وأيدوا ذلك برواية من رواياته بلفظ: "على صورة الرحمن". ومن رد الضمير إلى آدم عليه السلام أو إلى المقاتل - وقصده نفي الصورة عن الله تعالى - فهو جهمي كما قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

ونفي الصورة هو مذهب الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من الأشاعرة والماتريدية، ومنشأ ذلك هو توهم التشبيه في صفات الله تعالى، فزعموا أن إثبات الصورة أو الوجه أو اليدين ونحو ذلك يستلزم التشبيه بالمخلوقات، وهي حجة داحضة، وطردها يستلزم نفي وجود الله سبحانه وتعالى.

ومن رد من أهل السنة الضمير إلى آدم عليه السلام وضعَّف رواية " على صورة الرحمن " فليس مقصوده التوصل إلى نفي الصورة عن الله عز وجل، وليس من مذهبه ذلك، بل رأى لفظ هذا الحديث " خلق الله آدم على صورته " محتملا، فترجح عنده عود الضمير إلى آدم أو إلى المقاتل. وهو منازع في تضعيفه لتلك الرواية وفي هذا الترجيح.

وبهذا يتبين أن إثبات الصورة لله عز وجل لا يتوقف على دلالة حديث " خلق الله آدم على صورته "، ونقول: بل غلط المازري عفا الله عنه، ولم يغلط ابن قتيبة.

17 – قال الحافظ 5/ 292 على حديث رقم (2685): قوله: " أحدث الأخبار بالله " أي أقربها نزولا إليكم من عند الله عز وجل، فالحديث بالنسبة إلى المنزول إليهم، وهو في نفسه قديم ".

قال الشيخ البراك قوله: " فالحديث بالنسبة إلى المنزل إليهم، وهو في نفسه قديم ": يريد أن وصف القرآن بأنه (حديث) باعتبار نزوله إلى الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وأما نفس القرآن، فهو قديم.

والقديم هو الذي لا بداية لوجوده، وهذا جار على مذهب الأشاعرة في كلام الله تعالى؛ فإن كلام الله عندهم هو معنى نفسي ليس هو حروف وأصوات، وهو معنى واحد لا تعدد فيه، وهو قديم لا تتعلق به مشيئة الله سبحانه، فعندهم أن هذا القرآن المسموع المتلو المكتوب ليس هو كلام الله حقيقة، بل هو عبارة عن ذلك المعنى النفسي.

وهذا خلاف ما عليه سلف الأمة وأئمتها وجميع أهل السنة؛ فعندهم أن الله لم يزل يتكلم بما شاء إذا شاء، كيف شاء، وأنه يُسمِع كلامه من يشاء؛ فموسى عليه السلام سمع كلام الله من الله سبحانه، فعندهم أن القرآن العربي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم هو كلام الله حقيقة حروفه ومعانيه، ليس كلام الله الحروف دون المعاني، ولا المعاني دون الحروف، كما قال تعالى: " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله "، وهو منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، وعلى هذا فأهل السنة لا يقولون: القرآن قديم، ولا يطلقون القول بأن كلام الله قديم، بل يقولون: إن الله لم يزل يتكلم إذا شاء بما شاء، أو يقولون: قديم النوع حادث الآحاد.

ومذهب الأشاعرة في كلام الله وفي القرآن هو أقرب إلى مذهب المعتزلة، وهو يتضمن تشبيه الله سبحانه بالأخرس، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير