و من المعلوم إن النصارى يقولون إن عيسى إله و لا يقولون إن مريم إله بل هي بشر و لا نعتقد إنها تخلق نفعا و لا ضرا غير إننا نتخذها شفيعة لنا عند الرب. و لكن الله ألزمهم بعبادتها و إن رفضوا لأنهم يدعونها من دون الله و يطلبون منها ما يطلبه الصوفية اليوم من الجيلانى و الدسوقى و البرعى.
و في حديث ذات أنواط نرى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف طلب الصحابة التبرك بالسادرة مثل طلب أصحاب موسى إن يجعل لهم إلها كما لهم آله فدل ذلك على إن التبرك بالقبور و اعتقاد نفعها و ضرها يصيرها وثنا و إلها.
النقطة الثانية:
قال تعالى على لسان إبراهيم: {هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون قالوا كذلك وجدنا آباءنا يفعلون قال أفرا يتم ما كنتم تعبدون} و في الآية الثانية: {أفتعبدون مالا ينفعكم شيئا و لا يضركم}.
انظري كيف قال الله تعالى أولا: (تدعون) ثم قال: (تعبدون) فجعل دعاء هؤلاء الأولياء الذين على صورة أصنام عبادة لهم.
و في الآية الأخرى قوله تعالى: {وأعتزلكم و ما تدعون من دون الله} و بعدها قال: {فلما اعتزلهم و ما يعبدون من دون الله}
و قال صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة) و قوله: (الدعاء مخ العبادة)
هل رايتي يا بنت صوفان فدعاء غير الله سواء كان بشرا حيا أو ميتا عبادة له هذا إلزام من رب العالمين سواء رضيتي أم أبيتي فهو لازمكم بذلكم أصبحتم عبادا للقبور و وثنين.
النقطة الثالثة:
من المعلوم إن المشركين الأوائل لم يكونوا يعبدون الحجارة لكونها حجارة و إنما لأنها صورت على شكل صورة رجال صالحين يتقربون بها إلى الله.
الدليل:
قال تعالى: {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين}.
فالله قال: (عباد أمثالكم) يعنى بشر مثلنا و هذا لا يصح في وصف الأصنام و إنما يصح في وصف الأولياء الذين صور المشركين الهتم على صورهم.
و قال تعالى: {و الذين تدعون من دون الله لا يخلقون شيئا و هم يخلقون. أموات غير أحياء. و ما يشعرون أيان يبعثون}
هل تتحدث الآية عن بعث الأصنام إلى الحياة بعد الموت لا يمكن ذلك: لان الأصنام لا يحل بها موت و لا بعث، و لان الشعور يستعمل فيمن يعقل و ليس في الحجارة.
و الأهم من ذلك إن أموات غير أحياء لا يصح إضافتها إلى الأحجار التي صنع منها الصنم إذ هي جماد لا يصح وصفة بالحياة و لا بالموت فلم يبق إلا أن الكلام متعلق بالصالحين الذين نحتت الأصنام على صورهم.
قال تعالى: {و يوم نحشرهم و ما يعبدون من دون الله فيقول ءانتم أضللتم عبادى هؤلاء أم هم ضلوا السبيل * قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك أولياء}.
أهذا الكلام ينفع للأصنام هل الأصنام تتكلم أم هل الأصنام تتخذ الله وليا؟!
و قال تعالى: {و إذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركائنا الذين كنا ندعو من دونك. فالقو إليهم القول إنكم لكاذبون} هل الأصنام تقول إنكم لكاذبون سبحان الله. و هنا فائدة أخرى إن دعاء غير الله شرك و موئله إلى نار جهنم و بئس المصير فمن لقي الله و هو يدعو من دونه ندا دخل النار.
و بما إن غالبية الوثنين الجدد أشاعرة فهاكي هذه الحجة الملزمة من شيخك الرازي في تفسيره الكبير: (أعلم إن الكفار أوردوا سؤلا فقالوا نحن لا نعبد هذه الأصنام لاعتقاد أنها تضر و تنفع و إنما نعبدها لأجل أنها تماثيل لأشخاص كانوا عند الله من المقربين فنحن نعبدها لأجل أن يصير هولاء الأكابر شفعاء لنا عند الله فأجاب الله تعالى: {أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولوا كانوا لا يملكون شيئا و لا يعقلون}).
و قال أيضا: (إن المشركين وضعوا هذه الأصنام و الأوثان على صور أنبيائهم و أكابرهم و زعموا أنهم متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيل - دعائها - تكون شفعاء لهم عند الله تعالى.
قال و نظيره في الزمان اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر على اعتقادهم أنهم إذا عكفوا على قبورهم فإنهم يكونون لهم شفعاء عند الله)
يبدوا إن الرازي عنده الوثنية وهابي حتى يقول هذا الكلام؟!
و قال التفتازنى الأشعرى: (إن شرك المشركين وقع حين مات منهم من هو كامل المرتبة عند الله و اتخذوا تمثلا على صورته و عظموه تشفعا إلى الله تعالى و توسلا).
¥