1 - أن الحوض الموجود الآن محدث، ولا نعلم في أي جزء من مساحة الحوض رمى رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ولا أصحابه حتى نلزم الناس أن يرموا في نفس الموضع، وأين الدليل على أن كل مساحة الحوض محل للرمي؟ وإذا كان الأمر كذلك، فإن ما كان خارج الحوض وقريب منه حكمه حكم الحوض الموجود إذ لا فرق بينهما.
2 - أن خلاف العلماء في محل الرمي دليل على أن المساحة غير محددة، وإلا لما حصل هناك خلاف.
3 - إذا قيل بأن الرمي إلى مجتمع الحصا فإن الحصا في هذه الأزمنة يتجاوز الأحواض الموجودة، ولا يمكن إزالته مع وجود هذا العدد الكثير من الحجاج، والقول بأن هناك مساحة محددة لا يجوز تجاوزها يقتضي إبطال رمي من تجاوزها حتى وإن كان إلى مجتمع الحصا.
4 - أن ما قارب الشيء يأخذ حكمه (31)، وحينئذ فلا مانع أن يوسع الحوض، ويكون حكم من رمى فيه حكم من رمى قريباً من مجتمع الحصا بدليل أن المسجد الحرام كان في الزمن السابق ضيقاً ولما وسع أخذت التوسعة حكم المسجد.
5ـ أن مقام إبراهيم عليه السلام كان لاصقاً بالبيت في عهد النبي _صلى الله عليه وسلم_ (32) وبعده حتى حوله عمر _رضي الله عنه_ إلى موضعه الذي هو به الآن، روى هذا عن مجاهد (33) وعطاء (34) وسفيان بن عيينة (35) وهو اختيار الحافظ ابن كثير (36) وابن حجر (37) _رحمهم الله_ فعن عائشة _رضي الله عنها_ أن المقام كان زمان الرسول _صلى الله عليه وسلم_ وزمان أبي بكر _رضي الله عنه_ ملتصقاً بالبيت ثم أخره عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_ (38) وعن عروة عن أبيه أن المقام كان في زمان رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وزمان أبي بكر ملتصقاً بالبيت ثم أخره عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_ (39). وتأخير عمر _رضي الله عنه_ للمقام لئلا يشغل المصلون الطائفيين ويضيقوا عليهم فأراد _رضي الله عنه_ رفع الحرج قال الحافظ ابن حجر "كأن عمر _رضي الله عنه_ رأى أن إبقاءه –أي المقام- يلزم منه التضييق على الطائفيين أو على المصلين فوضعه في مكان يرتفع به الحرج" (40).
ورفع الحرج في محل الرمي لاسيما وقد حصل به وفيات أولى من توسعة المطاف الذي لم يحصل به _ولله الحمد_ أي حادثة.
6ـ أن تطبيق قاعدة سد الذرائع في هذه المسألة ليست بأولى من تطبيق قاعدة (المشقة تجلب التيسير) (41) و (إذا ضاق الأمر اتسع) (42) لاسيما مع عدم وجود دليل على مساحة كل جمرة.
7ـ لا ينبغي التوسع في الأخذ بقاعدة سد الذرائع والتضييق على الناس في أمور ظنية، يقول ابن الرفعة (43) في معرض رده على المالكية " الذريعة على ثلاثة أقسام:
أحدها: ما يقطع بتوصيله إلى الحرام فهو حرام عندنا وعندهم (يعني عند الشافعية والمالكية).
والثاني: ما يقطع بأنه لا يوصل إلى الحرام ولكنه اختلط بما يوصل، فكان من الاحتياط سدُ الباب، وإلحاق الصورة النادرة التي قطع بأنها لا توصل الحرام بالغالب منها الموصل إليه، قال وهذا غلو في القول بسد الذرائع.
والثالث: ما يحتمل ويحتمل،وفيه مراتب، ويختلف الترجيح بسبب تفاوتها.
وقال ونحن نخالفهم يعني المالكية فيها إلا القسم الأول لانضباطه وقيام الدليل عليه أ. هـ (44)
ويقول الشيخ محمد أبو زهرة: " إن الأخذ بالذرائع لا تصح المبالغة فيه، فإن المغرق فيه قد يمتنع من أمر مباح أو مندوب أو واجب خشية الوقوع في ظلم" (45).
والذي يظهر لي -والله أعلم- هو جواز توسعة الجمرات للاعتبارات الآتية:
1 - أنه ليس هناك تحديد منقول عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ ولا عن أصحابه في تحديد مساحة الجمرات.
2 - أن هناك حاجة ماسة لتوسعة الجمرات لضيق دائرة المرمى، ولما يحصل فيها من الزحام الشديد، والحاجة تنزل منزلة الضرورة. (46)
3 - أن في توسعة الحجرات تيسيراً ورفعاً للحرج وقد قال تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج) (47) فلو بقيت سعة الجمرات على وضعها الحالي لحصل للناس ضيق وحرج شديد لشدة الزحام الحاصل في هذا الزمان.
4 - أنه ليس هناك ما ينافي هذا القول ولا ما يدل على بطلانه فلا ينبغي المصير إلى ما فيه تشديد وتضييق على الناس وترك ما فيه توسعة ورفع للحرج والأصول تقضي به.
وفي نهاية هذا البحث أذكر القارئ الكريم بأنني قد اجتهدت في بحثي هذا ولا أدعي الكمال فهو جهد بشري معرض للنقص وكاتبه أحوج الناس إلى الحق والدلالة على الصواب.