والأقاويل الضعيفة , والاصطلاحات المنطقية الفلسفية , والعبارات الجافة المعقدة المحشوة بالجدليات والمتناقضات , فليس فيها ما يروي غليلاُ ويشفي عليلاُ.
ولا شك أن القارئ الذكي الفطن ذا الفطرة السليمة والعقل السليم , فضلا عن المؤمن المستنير بنور الوحي يدرك فساد هذه الآراء , والمذاهب , والاصطلاحات الدخلية , فلو أفني الرجل عمره في قراءة كتب علم الكلام , والبحث فيما احتوته لخرج منها بالحيرة والأسي علي ضيلع العمر دون طائل يتمني أنه لم يخض في غمار تلك الموروثات , وفي بحر ذلك العلم الذي سموه علم الكلام , واسمع إلي مقالة من دخل في هذه المتاهات , وشهد علي نفسه شهادة صدق عن خبرة وتجربة.
قال الشهرستاني:
لعمري لقد طفت المعاهد كلها ... وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعاُ كف حائر ... علي ذقنه , أو قارعاُ سن نادم (11)
وقال الرازي:
نهاية إقدام العقول عقال ... وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا ... غاية دنيانا أذي ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوي أن جمعنا فيه قيل وقال (12)
ولقد نشأ في الأمة الإسلامية بدع حمل لوائها أهل الجهل والهوي , كبدعة التكفير بالذنوب , وبدعة الإرجاء , وشر البدع الكلامية بدعة التعطيل , تعطيل الرب عما يجب له من الأسماء والصفات , تلك البدعة الموروثة عن اليهود , والصابئة , والفلاسفة , وكان الإمام فيها جهم بن صفوان الذي تنسب إلية الجهمية , بل تنسب أليه كل المعطلة من هذه الأمة , ومن فروع هذه البدعة بدعة القول بخلق القرآن , وهي التي امتحن أئمة السنة بسببها حين تصدوا لها بالمعارضة والنكير , ومن البلاء أن هذ البدع لم تزل موروثة في الأمة, فصارت الأمة بها فرقاُ , كما أخبر الصادق المصدوق , صلي الله عليه وسلم , كل فرقة تدعو الي طريقتها , وتنافح عن مذهبها وإلي جانب هذه الطوائف كانت الطائفة المنصورة والفرقة الناجية , والتي تترسم خطي السلف الصالح من الصحابة والتابعين , وهي الوارثة لعلمهم , والسائرة علي مناهجهم , ولاتزال هذه الطائفة في الامة كما اخبر الرسول , صلى الله علية وسلم , فلم تزل الخصومة بين هذه الطائفة والطوائف المبتدعة قائمة الي يومنا هذا. ومن خصوم هذه الطائفة في هذا العصر , ومن أئمة المبتدعين والمعطلة لصفات رب العالمين , الأستاذ محمد زاهد الكوثري.
كسب كثيراً من الأنصار من أهل الأهواء والأغراض , لاطلاعه الواسع وسحر بيانه وجرأته فعظمت الفتنة به , فهو في نظرهم (إمام العصر) , و (محقق العصر) , و (بقية السلف الصالح) , و (أمام من أئمة المسلمين) , و (المفكر العبقري) , و (المناظر الذي لم يقهر قط في حياته) , و (سيف الله المسلول علي رقاب الملاحدة والفرق الضالة) , و (أقدر ناصر ومناضل عن السنة النبوية) , و (أبرع محام وحارس للعقائد الدينية الصحيحة) ,
(وكانت هجرته من تركيا الي مصر أروع هجرة في العزة والكرامة).
ولإبراز هذا الرجل علي حقيقته لا سيما وأن كثيراً من طلبة العلم لا يعرفون عن عقيدته شيئاً اللهم إلا علي سبيل الإجمال , رأيت الكتابة في عقيدته , مع بيان موقفه من عقيدة السلف وأئمة السنة , وذلك بعرض أقواله مأخوذة من مصادرها من كتبه التي وقفت عليها , وسأقوم بالتعليق علي بعضها علي وجه الاختصار: إذ المقصود إعلام القارئ علي عقيدة الكوثري , ومموقفه من أهل السنه من خلال نصوصه: فإن كثيراً من الأقوال الباطلة تصورها كاف في العلم ببطلانها , ولأن آراء الكوثري ليست بدعاً من آراء أهل الكلام , بل هي آراؤهم , بل هي نفس آرائهم , التي ردها الأئمة عليهم , وفندوها , فلا أطيل بمناقشتها , ومن أراد الوقوف علي نقض هذه المذاهب فليراجع ما كتبه أئمة الاسلام , كالدارمي في كتابيه (الرد علي الجهمية) , و (الرد علي بشر المريسي) , و ابن قتيبة في كتابية (تأويل مختلف الحديث) , وكتاب (الاختلاف في اللفظ والرد علي الجهمية والمشبهة) , والبخاري في كتابيه (التوحيد وخلق أفعال العباد) , و (الرد عيل الجهمية) , وغير ذلك من المصنفات السلفية.
ويتألف هذا البحث من: تمهيد , وأربعة مباحث , وخاتمة.
أما التمهيد: فهو تعريف موجز بالأستاذ الكوثري.
وأما المبحث الأول: ففي عقيدته في التوحيد.
وأما المبحث الثاني: ففي عقيدته في الإيمان.
وأما المبحث الثالث: ففي موقفه من عقيدة السلف وأئمة السنة.
وأما المبحث الرابع: ففي المقارنة بين عقيدة الإمام أبي حنيفة والأستاذ الكوثري في التوحيد والإيمان.
وفي الخاتمة: أذكر خلاصة ما توصلت إليه من نتائج , وسأقف من الرجل موقف الحياد والإنصاف , فلا غلو ولا تقصير , عملاً بقوله تعالى (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى) (13)
وقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوَّامين لله شهداء للقسط) (14)
والرجل قد أفضى إلى ربه , فلست أحاكم شخصه بل ما سطره في كتبه.
وأخيراً بهذا الجزء المتواضع لا أدعي أني قدمت وفيت الموضوع حقه , واستكملت جميع جوانبه , ولكن حسبي أني لم أدخر في سبيل ذلك وسعاً , فإن وفقت إلى ما هو الحق والصواب فذلك هو مقصدي وغاية مناي , فالحمد لله سبحانه , فله الفضل وحده والمنة واستغفره من كل خطأ وزلل , والله من وراء القصد , وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
يتبع بإذنه تعالى .....
ــــــــــــــــ
1) سورة آل عمران 102
2) سورة النساء 1
3) سورة الأحزاب 70 - 71
4) سورة الروم , الايتان: 31, 32.
5) سورة النجم, الآيتان: 19 , 20.
6) سورة سبأ , الآية: 40
7) سورة فصلت , الآية: 37.
8) أخرجه مسلم كتاب الجنة - باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار , ج 4/ 2197 ح 2865 من طريق مطرف بن عبدالله بن الشخير عن عياض بن حمار المجاشعي
9) سورة الانبياء , الآية: 25.
10) خطط المقريزي 2/ 356.
11) كتاب نهاية الاقدام ص 3 , والحموية ص 91.
12) الحموية ص 91 , وكتا تلبيس ابليس ص 93 , وفتح الباري 13/ 350
13) سورة الأنعام , الآية: 152
14) سورة المائدة , الآية: 8
¥