تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومعلوم أن تحية الكبير والمقدم، يقدمها له المحب، والمبغض الشانئ، طالما كان في سلطانه، فهي لاتستلزم التعظيم المنهي عنه، وغايتها إظهار نوع من الإكرام، أما إثبات هذا القدر من التعظيم قدر زائد عن مدلول الآية في سجود إخوة يوسف.

أما بالنسبة للآية فنعم، بل يعسرجداً تصور أن يعقوب قد سجد لابنه يوسف عليهما السلام تعظيماً، إلا إن قيل أنه بسجوده له إنما كان من جهة كون يوسف عليه السلام عزيز مصر فجرى على عادة الناس في ذلك الزمان من السجود لملوكهم بقطع النظر عن كونه يوسف ابنه لا سيما أن السجود كان حال دخول قوم يوسف عليه و يغلب على الظن أنه كان دخولاً مشهوداً.

أما كون التحية لا تستلزم التعظيم، فالكلام إنما هو على السجود بقصد التحية لا على مطلق التحية، و قد سبق بيان أن التعظيم لازم للسجود الاختياري، أما سجود المكره فهو خارج نطاق البحث.

قلتم –أحسن الله إليكم-:" أما بالنسبة للآية فنعم، بل يعسرجداً تصور أن يعقوب قد سجد لابنه يوسف عليهما السلام تعظيماً" ثم قلتم: " أما كون التحية لا تستلزم التعظيم، فالكلام إنما هو على السجود بقصد التحية لا على مطلق التحية، و قد سبق بيان أن التعظيم لازم للسجود الاختياري ... ".

لا أستطيع فهم انسجامه إلاّ إذا كنتم تشيرون إلى أن سجود يعقوب لم يكن باختيار؟

وعلى كل هذا غير صحيح.

فما هو الدليل العقلي الذي يلزم بأن السجود لايكون إلاّ تعظيماً؟

لماذا لايكون مجرد تكريم من نحو توسيع أحدنا لأخيه في المجلس، ومن نحو قيام أحدنا من مجلس وإجالس الكبير فيه، ونحو ذلك مما يراه الناس حقاً للكبير على الصغير، فتجد الصغير يفعله وإن لم يعرف الكبير إما شفقة عليه أو رحمة به.

وكيف يكون سجودهم لله تعظيماً وقد كان في شريعتهم عبادة يتقربون بها إلى الله، وكذلك سجودهم على نفس الوجه لبشر مهما علا شأنه.

ثم إن سجودهم لهم لم يكن حال دخولهم في ظاهر الآيات بل بعد أن لقيهم ورحب بهم ورفع أبويه على العرش، ولا أخاله ما نزل لتلقي أباه إلاّ يوم رفعه على العرش. بل قال الله تعالى قبلها: (فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين)، فلو استدل به مستدل على تلقيه لهم على مشارف مصر لم يكن مبعداً وقد قال به بعض أهل التفسير وهو الظاهر.

والكلام هنا إنما هو عن السجود للقبر حال كونه تعظيماً بعبادة ما شرعت إلاّ لله، ولا يعني هذا منع مطلق تعظيم ما سوى الله، ولكن المراد المنع من تعظيم ما سوى الله بما يعظم به الله.

و هذا أمر قد ينازع فيه المخالف محتجاً بما ورد من كون هذا التعظيم كان سائغاً في الشرائع السابقة، بل هذا من أقوى حججه على عدم وصف السجود لغير الله على غير معنى العبادة بالكفر، إذ ما لم يكن كفراً أو شركاً في الشرائع السابقة لا يمكن أن يكون كفراً أو شركاً في شريعتنا.

الإشكال بأن قوله السجود تعظيماً كان سائغاً يحتاج إلى دليل وتحرير لا مجرد أقوايل، وإن قيل كان كذلك فالإجماع على أنه منسوخ.

وبقية الكلام سبق تعليق على مثله.

وقال ابن القيم في المدارج: "ومن أنواع الشرك: سجود المريد للشيخ فإنه شرك من الساجد والمسجود له والعجب أنهم يقولون: ليس هذا سجود وإنما هو وضع الرأس قدام الشيخ احتراما وتواضعا فيقال لهؤلاء: ولو سميتموه ما سميتموه فحقيقة السجود وضع الرأس لمن يسجد له وكذلك السجود للصنم وللشمس وللنجم وللحجر كله وضع الرأس قدامه ومن أنواعه".

و مما يؤيده أيضاً قول ابن تيمية في الفتاوى 1/ 74: " والشرك أن تجعل لغيره شركا أو نصيبا فى عبادتك وتوكلك وإستعانتك ... وأصناف العبادات الصلاة بأجزائها مجتمعة وكذلك أجزاؤها التى هى عبادة بنفسها من السجود والركوع والتسبيح والدعاء والقراءة والقيام لا يصلح إلا لله وحده ... "

و أيضاً قوله " ... وكذلك حجرة نبينا صلى الله عليه وسلم وحجرة الخليل وغيرهما من المدافن التي فيها نبي أو رجل صالح: لا يستحب تقبيلها ولا التمسح بها باتفاق الأئمة بل منهى عن ذلك

وأما السجود لذلك فكفر " الكبرى 2/ 439

و لكن يعكر عليه قوله في مجموع الفتاوى [جزء 11 - صفحة 604]

" سئل عن أقوام يرقصون على الغناء بالدف ثم يسجد بعضهم لبعض على وجه التواضع هل هذا سنة أو فعله الشيوخ الصالحون

الجواب لا يجوز السجود لغير الله ... " فلم يقل أنه كفر

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير