تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولايدفع عنه وصف الفعل بالكفر هو أن البشر تسوغ الاستغاثة بهم فيما يقدرون عليه بشرطي الحياة والحضور، إذ صرف محض حق الله لغيره أياً كان ذلك الغير.

و لا يعكر عليه اتخاذ البعض للمعظَّمين بإذن الله أنداداً من دون الله كفعل النصارى مع المسيح عليه السلام، لأن فعلهم هذا ليس مانعاً لنا من تعظيمه عليه السلام بل الممنوع هو مجاوزة الحد في هذا التعظيم بصرف شيء منه مما هو حق خالص لله عز و جل لهذا المعظَّم، فإن ثبت أن السجود تعظيماً لغير الله كان سائغاً إلى زمن المسيح ثم حرم في شريعتنا، علم أن صرفه لغير الله على هذا الوجه ليس كفراً بل محرم فقط.

نعم والنصارى ما أشركوا بمطلق تعظيمهم لعيسى ولكن بتعظيم مخصوص، لايجوز لهم ولا يجوز لنا، وما كان مشروعاً لهم من تعظيمه هو مشروع لنا في الجملة.

فمتى جاوز التعظيم المبذول للمعظم حداً لاينبغي إلاّ لله كان شركاً سواء صدر من النصارى أو ممن انتسب إلى غير ملتهم، وكذلك الأمر إن تعلق بغير عيسى عليه السلام. فالمعول على حق الله الذي يجب أن لايصرف لغير الله.

أما إذا ثبت أن السجود تعظيماً كان سائغاً فعندها نعلم أنه ليس محض حق الله، ولله ما أثقلها من كلمة قالها أعلام!

رغم كل ما سبق يبقى إشكال عملي، و هو أن المستقر في أذهان عامة المسلمين أن السجود عبادة، و التفريق بين سجود العبادة و سجود غير العبادة لا يكاد يعلمه إلا القليل، يضاف إلى ذلك أن التحية أو التعظيم عن طريق السجود لا يكاد يكون معروفاً في بلاد المسلمين، فالساجد منهم اليوم للقبور أو الأشياخ لا يخلو عن رجلين، إما رجل غلبته عاطفته و مشاعره فلم يتمالك نفسه فخرج عن وعيه و خر ساجداً و هذا أمره قريب، و إما رجل سجد مختاراً فسجوده هذا مع ما سبق بيانه من المستقر في الأذهان يشعر بمقدار ذا التعظيم الذي استولى على قلبه حتى فعل ما يعلم أنه في أصله عبادة لله، و هذا يشكل جداً عدم الحكم على فعله بالكفر، و لكن لما سبق ذكره من كلام العلماء لا سيما ما نقله القرافي من اتفاقهم، يتوقف المرء عن التصريح بالحكم على هذا الفعل بالكفر.

لعل الحكم بالظاهر هو الذي يلينا فعلينا أن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر، فإذا كان الظاهر هو ما ذكرتم –بورك فيكم- فيقال ظاهر الفعل كفر، أما الفاعل فالحكم عليه بعد إقامة الحجة.

فإن صرف صارف لم يحكم بإنزال الفعل عليه.

كما قال من قال في من سجد للقمر، فإن صح أنه يريد تحية لظنه أن ذلك مشروع ولايريد صرف عبادة منه للقمر خلاف الظاهر وعلمنا هذا الناقل عن الظاهر حكمنا بأن فعله بدعة لا ترقى إلى حد الكفر.

وهذه قاعدة مطردة في كل فعل ظاهره الكفر، فمن سب الدين ففعله كفر هذا هو الظاهر، فإذا تبين بعد أنه ما أراد الدين ولكن أراد دين ذلك الرجل غير الملتزم بشريعة الرحمن أُدب ولم يحكم بكفره طالما أن ما خالف الظاهر دل عليه ما يفيده.

ولكن عند القضاء لاينتقل عن الظاهر إلاّ ببينة أو قرينة موضحة.

وهذه المسألة بحثها متعلق بمسألة العذر بالجهل.

هذا بعض ما عنّ وقد ضاق الوقت بتفصيل مواضع كان من حقها أن تفصل، وما يظهر أن سجود التحية هو ما كان على وجه التكريم والتوقير والاحترام سواء كان المحيى معظماً أو غير معظم، فإن وقع على وجه التعظيم والإجلال مصروفاً لقبر أو بشر فالأظهر أنه صرف لضرب من أنواع العبادة لغير الله دال على نوع الخضوع الذي قام بقلبه لذلك الشخص أو القبر.

وإذا لم يكن السجود تعظيماً وخضوعاً للمسجود له عبادة فما هي العبادة إذن؟

ومع ذلك فالمسألة لاتزال محل بحث ونظر، ولاسيما أن الخلاف فيها بين أهل العلم قديم كما رأيت، ومثل هذه المسائل التي خالف فيها مثل من خالف لاينبغي أن يتسرع في إنزال أحكام عظيمة بمثلها.

وما قيدته هنا ضرب من المذاكرة والمدارسة أسأل الله أن ينفعني به والقارئين، والله المستعان وهنو وحده المسؤول أن يوفق للحق ويهدي للصواب.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ـ[أبو البراء الكناني]ــــــــ[26 - 02 - 06, 05:13 ص]ـ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير