ـ[أبو البراء الكناني]ــــــــ[06 - 04 - 06, 09:41 ص]ـ
أحسن الله إليك أخي الكريم أبو مشاري و نفع بك
أخي الكريم ... لقد كان هناك اتفاق في الموضوع ـ كما رأيتَ ـ على أن من السجود ما هو عبادة فهذا كفر بلا خلاف ومنه ما ليس بعبادة كسجود التحية و في كونه كفراً خلاف، و حصل خلاف حول سجود التعظيم أيلحق بسجود العبادة فيكون كفراً أم بسجود التحية.
و قد استوقفني في مشاركتك الكريمة قولك ناقلاً:
أولا:ما ذكرت عن الذهبي محمول على من سجد للقبر وهو جاهل بدلالة قوله فيعلم، فهل يكفر أم لا على قولين لأهل العلم:
الأول: ومنهم الذهبي إلى أنه يعذر بالجهل. والقول الثاني: أنه لا يعذر بالجهل والخلاف في المسألة سائغ.
وفي هذا يقول في مطالب أولي النهى
"ويتجه أن السجود لغير الله كبيرة من الكبائر العظام سواء كان لجامد أو متحرك ولو بنية التهكم - ويستتاب من فعل ذلك فإن تاب وإلا قتل غير نحو صنم وكوكب سواء كان من السيارة أو الثوابت فإن السجود لذلك كفر بإجماع المسلمين" (الجزء6/ 613)
لكن مسألتنا في غير الجاهل والمكره
فلا شك أن كلام الذهبي رحمه الله عن الذي يجهل حرمة السجود للقبر، و لكن كما لا يخفى عليك فإن مسألة العذر بالجهل تتعلق بالفاعل لا بالفعل، فسواء كان من وقع في الكفر يعذر بجهله أو لا يعذر فإن هذا لا يغير من كون ما وقع فيه كفر.
فهل الذهبي رحمه الله هنا يتحدث عن الفاعل أم عن الفعل؟ كلامه محتمل، لأنه قال " لا يُكفَّر أصلاً " فكلمة أصلاً تقوي أن يكون مراده أن الفعل بذاته ليس كفراً حتى يكفر فاعله و لو قرأت كلامه السابق قليلاً للعبارة الذكورة لملت إلى ذلك حيث قال: " ... وكان إذا تنخّم لا تكاد نخامته تقع إلاّ في يد رجلٍ فيدلك بها وَجْهه، ونحن فَلمَّا لَمْ يَصح لَنَا مِثْل هذا النَصِيب الأوْفَر تَرَامَيْنَا على قَبْره بالالتزام والتَّبْجِيل والاِسْتِلاَم والتَّقْبِيل، ... "
أما النقل من مطالب أولي النهى فأراه يدل على غير ما أراد الأخ الكريم الذي نقلتَ عنه فالسجود لجامد أو متحرك و لو بنية التهكم كبيرة عظيمة ـ لم يقل أنها كفر ـ أما السجود للصنم أو الكوكب فكفر بالإجماع و لم يكتف هنا بقوله كبيرة.
أما قول الأخ الكريم
ثالثا: محل الاجماع والذي لا يعلم فيه خلاف بين أهل العلم كون السجود والطواف عبادة وهذا ما ادعيت فيه الاجماع فان كان صرف العبادة لغير الله ليس شركا فما الشرك اذا؟؟؟ قال القرطبي في تفسيره
"ولا خلاف أن السجود لا يكون إلا لله تعالى لأن السجود عبادة والعبادة لا تكون إلا لله" (1/ 289)
فلو كان هناك إجماع على أن السجود بكل أنواعه عبادة لما كان هناك داع لكل هذا النقاش الطويل و لقضي الأمر، لكن الواقع بخلاف ذلك بل لو قلتُ لك أنه لا خلاف على أن من السجود ما ليس بعبادة لكان أقرب و إلا فهل سجد إخو يوسف له عبادة؟ اللهم لا و راجع كلام كل المفسرين للآية.
أما كلام القرطبي رحمه الله فإذا قرأناه في سياقه فسيفقد دلالته على الإجماع المذكور في كلام الأخ الكريم فقد ذكره رحمه الله في معرض بحث أيهما أفضل الملائكة أم الأنبياء فقال:
تفسير القرطبي [جزء 1 - صفحة 239]
" وأما من قال من أصحابنا والشيعة: إن الأنبياء أفضل لأن الله تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم فيقال لهم: المسجود له لا يكون أفضل من الساجد ألا ترى أن الكعبة مسجود لها والأنبياء والخلق يسجدون نحوها، ثم إن الأنبياء خير من الكعبة باتفاق الأمة ولا خلاف أن السجود لا يكون إلا لله تعالى لأن السجود عبادة والعبادة لا تكون إلا لله فإذا كان كذلك فكون السجود إلى جهة لا يدل على أن الجهة خير من الساجد العابد وهذا واضح "
فهو يتكلم عن السجود للكعبة و أنه و إن كان إلى جهتها إلا أنه سجود لله.
و في ثنايا الموضوع الكثير من كلام العلماء الذي ينفي أن يكون كل سجود عبادة.
و أما القول بأن السجود لغير الله على كل وجه كفر بالإجماع فهذا الإجماع غير ثابت، قال القرافي رحمه الله في الفروق:
((المسألة الأولى) اتفق الناس على أن السجود للصنم على وجه التذلل والتعظيم له كفر ولو وقع مثل ذلك في حق الولد مع والده تعظيما له وتذللا أو في حق الأولياء والعلماء لم يكن كفرا ... )
في الختام أخي الكريم فربما كان في المشاركة 30 بيان لبعض ما أوردتموه باختصار و إلا فإن متابعة ما دار من نقاش في كل المشاركات سيعطي صورة أوضح، و نحن بانتظار فوائدكم و إضافاتكم ... و دمت بعافية.
ـ[أبو مشاري]ــــــــ[06 - 04 - 06, 08:34 م]ـ
بارك الله فيكم أخي أبو البراء على فوائدكم الطيبة
ـ[أبو البراء الكناني]ــــــــ[07 - 04 - 06, 03:17 ص]ـ
و فيك بارك الله أخي الفاضل و جزاك ربي خيراً