تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [10] فأنت يا عبد الله مخلوق في هذه الدار، لا لتبقى فيها، ولا لتخلد فيها، ولكنك خلقت فيها لتنقل منها بعد العمل، وقد تنقل منها قبل العمل، وأنت صغير لم تبلغ، ولم يجب عليك العمل لحكمة بالغة. فالمقصود أنها دار ممزوجة بالشر والخير، ممزوجة بالأخلاط من الصلحاء وغيرهم، ممزوجة بالأكدار والأفراح والنافع والضار، وفيها الطيب والخبيث، والمرض والصحة، والغنى والفقر، والكافر والمؤمن، والعاصي والمستقيم، وفيها أنواع من المخلوقات خلقت لمصلحة الثقلين كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [11].

والمقصود من هذه الخليقة كما تقدم: أن يعظم الله، وأن يطاع في هذه الدار، وأن يعظم أمره ونهيه، وأن يعبد وحده سبحانه وتعالى بطاعة أوامره، وترك نواهيه، وقصده سبحانه في طلب الحاجات، وعند الملمات، ورفع الشكاوى إليه، وطلب الغوث منه، والاستعانة به في كل شيء، وفي كل أمر من أمور الدنيا، والآخرة.

فالمقصود من خلقك وإيجادك يا عبد الله، هو توحيده سبحانه، وتعظيم أمره ونهيه، وأن تقصده وحده في حاجاتك، وتستعين به على أمر دينك ودنياك وتتبع ما جاء به رسله، وتنقاد لذلك طائعا مختارا، محبا لما أمر به، كارها لما نهى عنه، ترجو رحمة ربك، وتخشى عقابه سبحانه وتعالى.

والرسل أرسلوا إلى العباد ليعرفوهم هذا الحق، ويعلموهم ما يجب عليهم، وما يحرم عليهم، حتى لا يقولوا ما جاءنا من بشيرولا نذير، بل قد جاءتهم الرسل مبشرين ومنذرين، كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [12] وقال تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [13] وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [14].فهم قد أرسلوا ليوجهوا الثقلين لما قد أرسلوا به، ويرشدوهم إلى أسباب النجاة ولينذروهم أسباب الهلاك، وليقيموا عليهم الحجة، ويقطعوا المعذرة، والله سبحانه يحب أن يمدح، ولهذا أثنى على نفسه بما هو أهله، وهو غيور على محارمه، ولهذا حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن. فعليك أن تحمده سبحانه، وتثني عليه بما هو أهله، فله الحمد في الأولى والآخرة. وعليك أن تثني عليه بأسمائه وصفاته، وأن تشكره على إنعامه، وأن تصبر على ما أصابك، مع أخذك بالأسباب التي شرعها الله وأباحها لك. وعليك أن تحترم محارمه، وأن تبتعد عنها، وأن تقف عند حدوده طاعة له سبحانه ولما جاءت به الرسل. وعليك أن تتفقه في دينك، وأن تتعلم ما خلقت له وأن تصبر على ذلك حتى تؤدي الواجب على علم وعلى بصيرة، قال صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) وقال صلى الله عليه وسلم (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة) خرجهما مسلم في صحيحه.

وأعظم الأوامر وأهمها توحيده سبحانه، وترك الإشراك به عز وجل، وهذا هو أهم الأمور، وهو أصل دين الإسلام، وهو دين الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم، وهو توحيد الله وإفراده بالعبادة، دون كل من سواه.

هذا هو أصل الدين، وهو دين الرسل جميعا من أولهم نوح، إلى خاتمهم محمد عليهم الصلاة والسلام، لا يقبل الله من أحد دينا سواه، وهو الإسلام.

وسمي إسلاما لما فيه من الاستسلام لله، والذل له، والعبودية له، والانقياد لطاعته، وهو توحيده والإخلاص له. مستسلما له جل وعلا، وقد أسلمت وجهك لله، وأخلصت عملك لله، ووجهت قلبك إلى الله في سرك وعلانيتك، وفي خوفك وفي رجائك، وفي قولك وفي عملك، وفي كل شأنك. تعلم أنه سبحانه هو الإله الحق، والمستحق لأن يعبد ويطاع ويعظم لا إله غيره ولا رب سواه. وإنما تختلف الشرائع كما قال سبحانه: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [15] أما دين الله فهو واحد، وهو دين الإسلام، وهو إخلاص العبادة لله وحده، وإفراده بالعبادة: من دعاء وخوف ورجاء وتوكل، ورغبة ورهبة، وصلاة وصوم وغير ذلك، كما قال سبحانه وبحمده: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [16] أي أمر ألا تعبدوا إلا إياه، وقال سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير