تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالمقصود أن مقام العبودية، ومقام الرسالة هما أشرف المقامات، فإذا ذهبت الرسالة بفضلها، بقي مقام الصديقية بالعبادة. فأكمل الناس إيمانا وصلاحا وتقوى وهدى، هم الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام لكمال علمهم بالله، وعبادتهم له، وذلهم لعظمته جل وعلا، ثم يليهم الصديقون ثم الشهداء، ثم الصالحون كما قال جل وعلا: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [28] ولا بد مع توحيد الله من تصديق رسله، ولهذا لما بعث الله نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام، صار يدعو الناس أولا إلى توحيد الله وإلى الإيمان بأنه رسوله عليه الصلاة والسلام. فلا بد من أمرين: توحيد الله والإخلاص، ولا بد مع ذلك من تصديق الرسل عليهم الصلاة والسلام. فمن وحد الله، ولم يصدق الرسل فهو كافر، ومن صدقهم ولم يوحد الله فهو كافر، فلا بد من الأمرين: توحيد الله وتصديق رسله عليهم الصلاة والسلام. والاختلاف في هذا المقام هو في الشرائع، وأما توحيد الله والإخلاص له، وترك الإشراك به، وتصديق رسله، فهو أمر لا اختلاف فيه بين الأنبياء، بل لا إسلام ولا دين ولا هدى ولا نجاة إلا بتوحيد الله عز وجل، وإفراده بالعبادة، والإيمان بما جاء به رسله عليهم الصلاة والسلام، جملة وتفصيلا.

فمن وحد الله جل وعلا، ولم يصدق نوحا في زمانه، أو إبراهيم في زمانه، أو هودا أو صالحا أو إسماعيل أو إسحاق أو يعقوب أو من بعدهم إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر بالله عز وجل، حتى يصدق جميع الرسل، مع توحيده لله عز وجل. فالإسلام في زمن آدم هو توحيد الله مع إتباع شريعة آدم عليه الصلاة والسلام، والإسلام في زمن نوح هو توحيد الله مع إتباع شريعة نوح عليه الصلاة والسلام، والإسلام في زمن هود هو توحيد الله مع إتباع شريعة هود عليه الصلاة والسلام، والإسلام في زمن صالح هو توحيد الله مع إتباع شريعة صالح عليه الصلاة والسلام، حتى جاء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فكان الإسلام في زمانه هو توحيد الله مع الإيمان بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وإتباع شريعته. فاليهود والنصارى لما لم يصدقوا محمدا عليه الصلاة والسلام، صاروا بذلك كفارا ضلالا، وإن فرضنا أن بعضهم وحد الله، فإنهم ضالون كفار بإجماع المسلمين، لعدم إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، فلو قال شخص إني أعبد الله وحده، وأصدق محمدا في كل شيء إلا في تحريم الزنا، بأن جعله مباحا، فإنه يكون بهذا كافرا حلال الدم والمال بإجماع المسلمين، وهكذا لو قال: إنه يوحد الله ويعبده وحده دون كل من سواه، ويصدق الرسل جميعا، وعلى رأسهم محمد صلى الله عليه وسلم إلا في تحريم اللواط، وهو إتيان الذكور، صار كافرا حلال الدم والمال بإجماع المسلمين، بعد إقامة الحجة عليه إذا كان مثله يجهل ذلك، ولم ينفعه توحيده ولا إيمانه، لأنه كذب الرسول، وكذب الله في بعض الشيء.

وهكذا لو وحد الله، وصدق الرسل، ولكن استهزأ بالرسول في شيء، أو استنقصه في شيء أو بعض الرسل، صار كافرا بذلك، كما قال جل وعلا: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [29] ثم إن ضد هذا التوحيد هو الشرك بالله عز وجل، فإن كل شيء له ضد، والضد يبين بالضد قال بعض الشعراء:

والضد يظهر حسنه الضد وبضدها تتميز الأشياء

فالشرك بالله عز وجل، هو ضد التوحيد الذي بعث الله به الرسل عليهم الصلاة والسلام، فالمشرك مشرك لأنه أشرك مع الله غيره، فيما يتعلق بالعبادة لله وحده، أو فيما يتعلق بملكه وتدبيره العباد، أو بعدم تصديقه فيما أخبر أو فيما شرع، فصار بذلك مشركا بالله، وفيما وقع منه من الشرك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير