تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإنه إذا نفاه، فالتعديل يقدم، كأن يضعف راويا برواية لحديث على الوجه الخطأ، وهذا مفسر، فيعارضه أحد أئمة الجرح والتعديل، فيقول: فلان ثقة، وما نقموا عليه من روايته لكذا فإن الخطأ ليس منه وإنما من الراوي عنه، ونحو ذلك. أو أن يقول المعدّل: (تكلم فيه بعضهم بلا حجة) أو يقول: (ثقة وقد ظلم من تكلم فيه)، فإن هذا كله يشعر بعدم ثبوت الجرح، أو على أقلّ حال يدعو إلى مزيد التثبت في أمره حتى تظهر حقيقة حاله. نبه على هذا التهانوي في كتابه: " قواعد في علوم الحديث " [ص: 175].

والشرط الخامس: أن يكون ما جرح به له تعلّق بالسبب الذي من أجله عرض فيه للنقد وبيان الحال.

ولذلك فضابط العدالة في الرواية غير ضابطها في رؤية الهلال، والشهادة، وتقدير المثل في صيد الحرم والمحرم، فليس كل من قبل في الشهادة بروية الهلال، والشهادة، ونحو ذلك يقبل في الرواية ونقل الإسناد، كما إن بعض الرواة قد يرام الطعن في حديثه بموجبٍ للجرح لا تعلّق له بالرواية، وأقرب مثال على ذلك البدعة، فالبدعة في الدين جرح عطيب، ومع ذلك لا تعلّق لها بالرواية إذا كان الراوي عدلاً ثقة في روايته، وهذا هو المذهب الصحيح من أقوال أهل العلم في قبول رواية المبتدع الثقة مطلقاً سواء كان داعية أو غير داعية، ومن ثبت أنه يروي ما يؤيد بدعته، فهذا مطعون فيه لاختلال جانب الثقة فيه لا لبدعته، وكذلك قد يكون بعض رواة الحديث معروف بالثقة والعدالة، ولم يسلم من بعض مساوئ الأخلاق كـ: البخل، والكبر، والمزاح الفاحش، والرثاثة، ونحو ذلك مما لا تعلّق له بجانب الرواية، وأمانة النقل، فإن هؤلاء يقبل حديثهم للثقة فيهم في باب الرواية.

قال أبو عمر ابن عبدالبر في " الجامع للعلم " [ص: 159]: (وقد كان ابن معين عفا الله عنه يطلق في أعراض الثقاة الأئمة لسانه بأشياء أنكرت عليه منها قوله: عبدالملك بن مروان أبخر الفم وكان رجل سوء!، ومنها قوله: كان أبو عثمان النهدي شرطياً، ومنها قوله في الزهري: أنه ولي الخراج لبعض بني أمية وأنه فقد مرة مالاً فاتهم به غلامه فضربه فمات من ضربه!، وذكر كلاماً خشناً في قتله على ذلك غلامه تركت ذكره لأنه لا يليق بمثله، ومنها قوله في الأوزاعي أنه من الجند ولا كرامة! وقال حديث الأوزاعي عن الزهري ويحي بن أبي كثير ليس يثبت، ومنها قوله في طاووس كان شيعياً .... ).

وقال الخطيب البغدادي في " الكفاية " [ص: 181]: باب ذكر بعض أخبار من استفسر في الجرح فذكر ما لا يسقط العدالة – ثم ذكراً آثاراً بسنده منها – ما رواه عن عبدالله بن أحمد بن حنبل قال: قلت لأبي: إن يحي بن معين يطعن في عامر بن صالح!، قال: يقول ماذا؟، قلت: رآه يسمع من حجاج، قال: قدر رأيت أنا حجاجاً يسمع من هشيم!، وهذا عيب يسمع الرجل ممن هو أصغر منه وأكبر!.

قال مقيده: وليس في رواية الرجل عمن هو أكبر منه أو أصغر مطعناً في عدالته.

وروى عن محمود بن غيلان أنه سأل وهب بن جرير عن صالح بن أبي الأخضر ما شأنه؟، فقال: سمع وقرأ!، كان لا يميز القراءة من السماع.

قال مقيده: والقراءة والسماع من صيغ التحمل الصحيحة، وإن اختلفت الرتبة بينهما.

وروى عن شعبة أنه حدثا يوما ً عن رجل بنحو من عشرين حديثاً ثم قال: امحوها!، فقالوا له: لم؟، فقال: ذكرت شيئاً رأيته منه!، فقالوا: أخبرنا به أي شي هو؟، فقال: رأيته على فرس يجري ملء فروجه!.

قال مقيده: وهذا لا مطعن به في الرواية، ولعله عدّه من خوارم المرؤة، وخوارم المرؤة تختلف من شخص إلى آخر ومن زمان إلى زمان ومكان إلى مكان، والصحيح عدم اعتبارها مطلقاً في ردّ رواية الراوي إذا تم ضبطه وعدالته.

وروى عن شعبة أنه قيل له: لم تركت حديث فلان؟، فقال: رأيته يركض على برذون، فتركت حديثه.

قال مقيده: والبرذون نوع من الخيل غير العربية، و ركوبها لا يوجب الطعن في روايته، وقد ركب النبي صلى الله عليه وسلم الحمار وهو سيد ولد آدم.

وروى عن جرير قال: رأيت سماك بن حرب يبول قائماً فتركت حديثه!.

وذكر جملة من هذه الصور لتقرير أن ما يجرح به المرء قد لا يوجب طرحه أحياناً، ورد خبره.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير