تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

درايته بأحوالهم، أو معرفته بخطر قولهم، فعفى الله عن الجميع.

فإذا توفرت هذه الشروط يصح قولنا (أن الجرح المفسر يقدم على التعديل المبهم).

قال الخطيب البغدادي رحمه الله في " الكفاية " [ص: 105]: (والعلة في ذلك أن الجارح يخبر عن أمرٍ باطن قد علمه وإن صدق المعدل ويقول له: قد علمت من حاله الظاهرة ما علمتها، وتفردت بعلم لم تعلمه من اختبار أمره، وأخبار المعدل عن العدالة الظاهرة لا ينفي قول الجارح فيما أخبر به، فوجب لذلك أن يكون الجرح أولى من التعديل).

وليعلم أن الخطيب وغيره لا يعنون إطلاق هذه الجملة من غير اعتبار للشروط المتقدمة، فإن من زلل بعض أهل العلم إطلاق القول بأن (الجرح مقدم على التعديل) من غير مراعاة لهذه الشروط.

والمذهب الحق التفصيل بحسب ما تقدم، قال النووي رحمه الله في " شرح مسلم ": (ولا يقال: الجرح مقدم على التعديل لأن ذلك فيما إذا كان الجرح ثابتاً مفسّر السبب، و إلاّ فلا يقبل الجرح إذا لم يكن كذا) انتهى.

وقال الحافظ ابن حجر في " نخبة الفكر ": (الجرح مقدم على التعديل، وأطلق ذلك جماعة، لكن محله التفصيل، وهو أنه إن صدر من مبيناً عارفاً بأسبابه، لأنه إن كان غير مفسّر لم يقدح فيمن ثبتت عدالته، وإن صدر من غير عارف بالأسباب: لم يعتبر به أيضاً .... ).

ومثل ذلك قال في مقدمته لـ " لسان الميزان ".

الحالة الثالثة

إطلاق الجرح المبهم في رجل من عالمٍ خبير بالرجال ولم يوجد له تعديل

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في " نخبة الفكر " و " شرحها ": (فأما من جهل حاله ولم يعلم فيه سوى قول إمام من أئمة الحديث: أنه (ضعيف) أو (متروك) أو (ساقط) أو (لا يحتج به) ونحو ذلك، فإن القول قوله، ولا نطالبه بتفسير ذلك، إذ لو فسره وكان غير قادحاً لمنعنا جهالة حال ذلك الرجل من الاحتجاج به، كيف وقد ضعّف) انتهى.

تنبيه هام: قد يقبل الجرح المبهم من أهل الشأن والدراية بأحوال الرجال، ولا يطلب منهم تفسيره، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في " اختصار علوم الحديث " [ص: 90]: (قلت: أما كلام هؤلاء الأئمة المنتصبين لهذا الشأن، فينبغي أن يؤخذ مسلماً من غير ذكر أسباب، وذلك للعلم بمعرفتهم، واطلاعهم، واضطلاعهم في هذا الشأن، واتصافهم بالإنصاف والديانة والخبرة والنصح، لا سيما إذا أطبقوا على تضعيف الرجل، أو كونه متروكاً أو كذاباً أو نحو ذلك، فالمحدث الماهر لا تخالجه في مثل هذا وقفة في موافقتهم، لصدقهم وأمانتهم ونصحهم، ولهذا يقول الشافعي في كثير من كلامه على الأحاديث: (لا يثبته أهل العلم بالحديث)، ويرده ولا يحتج به بمجرد ذلك، والله أعلم) انتهى كلامه.

وقال الحافظ ابن الأثير رحمه الله في مقدمة كتابه " جامع الأصول " [ص: 127 - 128]: (وقال آخرون: لا يجب ذكر سبب الجرح والتعديل جميعاً، لأنه إن لم يكن – أي الجارح والمعدل – بصيراً بهذا الأمر فلا يصلح للتزكية والجرح، وإن كان بصيراً فأي معنى لسؤال؟!، والصحيح: أن هذا يختلف باختلاف أحوال المزكى، فمن حصلت الثقة ببصيرته، وضبطه، يكتفى بإطلاقه، ومن عرفت عدالته بنفسه ولم تعرف بصيرته بشروط العدالة فقد يراجع ويستفسر) انتهى.

ويراجع في هذا الشأن مقدمات كتب الجرح والتعديل فإنه هامة جداً، وكذلك كتب قواعد الحديث ومصطلحه، وكذا كتاب " التنكيل " للعلامة المعلمي، وكذا كتاب " الرفع والتكميل " لأبي الحسنات اللكنوي، وكتاب "قواعد في علوم الحديث " للتهانوي، وما دون في هذا العلم.

(خاتمة مهمة): وبعد هذه الإجابة المختصرة ليعلم أن راية الجرح والتعديل لم تسقط على مرّ التاريخ ولا يجوز أن تسقط، فلا بدّ من بقاء عصبة من أهل الحق يذودون عن حياض هذا الدين، ينفون عنه انتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وينتقدون المقالات الفاسدة، ويردون على أصحابها، فإن هذا من الجهاد، كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه، عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلاّ كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويتقيدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون ويفعلون مالا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير