تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعلى هذا فلا تلازم بين اشتراط ثبوت العدالة، وبين نفي السلامة، فليس كل من لم تثبت عدالته، يعني عدم سلامته، وغاية ما في الأمر أن المسلم في أصله السلامة، ووصفنا له بالسلامة عملاً بحكم الظاهر، حيث لم يظهر لنا منه ما يقدح في دينه، ولهذا قال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إنَّ أُناساً كانوا يؤخذون بالوحْيِ في عهد رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، وإنَّ الوَحْي قد انْقطع، وإنما نؤاخذُكمُ الآن بما ظهر لَنَا مِنْ أَعمالكم فمن أظهر لنا خيراً أمناه وقربناه وليس لنا من سريرته شيء: الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءاً لم نأمنه ولم نصدقه. وإن قال: إن سريرته حسنة) رواه البخاري.

قال الصنعاني في " سبل السلام معلّقاً على هذا الأثر: (استدل به على قبول شهادة من لم يظهر منه ريبة نظراً إلى ظاهر الحال، وأنه يكفي في التعديل ما يظهر من حال المعدل من الاستقامة من غير كشف عن حقيقة سريرته، لأن ذلك متعذر إلا بالوحي وقد انقطع، وكأن المصنف أورده وإن كان كلام صحابي لا حجة فيه، لأنه خطب به عمر وأقره من سمعه فكان قول جماهير الصحابة، ولأن هذا الذي قاله هو الجاري على قواعد الشريعة).

ومع ذلك فإنه إذا قيل بأنه ليس الأصل في المسلم العدالة، فالأمر مقيد في أبواب معينة من أبواب الدين وخاصة في بابي الراوية والشهادة بعمومها، وسائر ما يترتب عليه اشتراط سلامة المسلم من العيوب، فكل ما كان فيه وجوب ثبوت العدالة فلا بدّ من التحري في ثبوتها.

وأما سائر حقوق الإسلام فإن من ظهر لنا إسلامه وجب أن يعامل بها، لأن الأصل فيه السلامة، حتى يتبين لنا منه خلافها.

فلا يجوز للمرء أن يتجاسر بالطعن في أعراض المسلمين اليوم، وأن من لم تظهر منه مقالة في السنة، أو الانتماء إلى أهلها أو لبعض أهلها أنه ليس منهم!، فإن هذا من الظلم الذي حرمه الله تعالى على عباده، وهذا ما يعنيه شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى في فتواه التي نقلتها عنه.

وذلك لأن بعض الإخوان – هداهم الله – جعل الأصل في كل من تكلم اليوم أو كتب أنه ليس على السنة!، وجعل علامة السنة عنده إما أن يطعن في أشخاص معينين، أو طوائف معينة، أو أن ينضم إلى أشخاص معينين!، وهذا من وخيم التجاسر الذي يُشتكى منه في هذا الزمان، مع ما فيه من الجهل في تطبيق ما أثر عن السلف في التحذير من أهل البدع وهجرهم، والامتحان بأئمة السنة الذين أجمعت الأمة على فضلهم.

ومما بلي بها الكثير اليوم التساهل في التصنيف والتحزيب، وقد كتبت فيه قبل سنوات رسالة في ورقات تدور حول قضية أساسية رمزها أنه (ليس كل من قال في الإسلام مقالة مخالفة تنسب إليه بسببها طائفة، وتصنف كفرقة تغص بها بطون الكتب!).

واليوم - وللأسف – تساهل البعض في التصنيف بأدنى الإشارات، وأقل العبارات، بل وبالمظهر واللباس!!.

وكل ذلك له تعلّق بالفهم الخاطئ لقول من قال بأن الأصل في المسلم ليس العدالة!، فيطرد ذلك فيحكم على من لم يعرفه!! بموجب عبارة، أو إشارة، أو حتى لباسه ومظهره، ومن خلال سنوات عشر مضت سمع الجميع أسماء فرقٍ نجدها عند التمحيص لا يتجاوز أربابها أصابع اليدين.

وقد أنكر عليّ بعض الفضلاء من أهل العلم إنكاري لمسمى بعض الفرق!، وغاية ما عند من نسبت إليه أخطاء لا تقبل منه ولا توجب إخراجه من دائرة أهل السنة، فقلت له: يا شيخ – بارك الله فيكم - من أصول أهل السنة أن أهل السنة هم أهل الجماعة، وأهل البدعة هم أهل الفرقة!، وأهل البدع يعترفون بسيرهم على طريقة مؤسس فرقتهم منذ ستين سنة أو مائة سنة!، بينما نجد أهل السنة خلال عشر سنوات مضت تراشقوا التصنيف إلى كل شيخٍ يعتقدون مخالفته، فسردتُ عليه عشر أسماء خلال عشر سنوات!!، بل ربما زاد التصنيف والتحزب على مستوى المدينة الواحدة بل الحيّ الواحد، فكلما اختلف طالب علم مع آخر، نسب كل منهما إلى الآخر طائفة باسمه!!، وقال هذا من الفرقة الفلانية!!، وذاك يقول بمثله!!، فلم يعترض الشيخ الفاضل بشي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير