تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و لما كان علم الفرائض مشتملا على المعاني الفرآنية السالفة الذكر " لما فيه من السهام المقدرة، والمقادير المقتطعة، والعطاء المجرد، وتبيين الله تعالى لكل وارث نصيبه، وإحلاله، وإنزاله سمي بذلك ". ومن ثم فإن الفرائض شرعا هي " نصيب مقدر شرعا للوارث ".

وعرف علم الفرائض " بأنه الفقه المتعلق بالإرث، ومعرفة الحساب الموصل إلى ذلك، ومعرفة القدر الواجب من التركة لكل ذي حق ". وهو من فروض الكفاية.

ونخلص مما سبق أن علم الفرائض، أو المواريث علم يتكلم عن الحقوق المتعلقة بالتركة وترتيبها، وأسباب الميراث، وشروطه، وموانعه، وأنواع الورثة، وبيان نصيب كل واحد، وحجب بعض الورثة حجبا كليا أو جزئيا، والعول وتصحيح المسائل، وغيرها من الأحكام والقضايا المتصلة بتوزيع التركة. ويسمى المستغل بعلم الفرائض: رجل فرضي، وفارض.

وقد رغب الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ في تعلمه وتعليمه، يقول ـ صلى الله عليه و سلم ـ:

(العلم ثلاثة وما سوى ذلك فهو فضل، آية محكمة، وسنة قائمة، وفريضة عادلة)

وقال ـ صلى الله عليه و سلم ـ:

(تعلموا الفرائض وعلموه فإنه نصف العلم، وهو ينسى، وهو أول شيء ينتزع من أمتي)

قال الماوردي (ت 450 هـ): " وإنما حثهم على تعلمه لقرب عهدهم بغير هذا التوارث أي وهو التوارث المتقدم، واختلف العلماء في تأويل قوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ فإنه نصف العلم على أقوال أحسنها أنه باعتبار الحال فإن حال الناس اثنان حياة ووفاة فالفرائض تتعلق بحال الوفاة وسائر العلوم تتعلق بحال الحياة ".

كما أن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كانوا يحثون الناس على تعلم علم المواريث، ومن ذلك قول عمر ـ رضي الله عنه ـ: " تعلموا الفرائض فإنه من دينكم ".

ويحتاج علم الفرائض إلى ثلاثة علوم وهي:

1 - علم الفتوى، بأن يعلم نصيب كل وارث من التركة.

2 – علم النسب، بأن يعلم الوارث من الميت بالنسب، وبكيفية انتسابه للميت.

3 – علم الحساب، بأن يعلم من أي جنس تخرج المسألة، وحقيقة مطلق الحساب أنه علم بكيفية التصرف في عدد لاستخراج مجهول من معلوم.

أما مصادر علم الفرائض فيمكننا إجمالها في ما يلي:

1 – القرآن الكريم: ذلك أن الله تعالى أنزل تشريعا مفصلا لأحكام المواريث، حيث قدرها بمقادير لايجوز الزيادة عليها، ولا النقصان عنها.

2 – السنة النبوية الشريفة: فقد بين الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ أحكام المواريث الواردة في القرآن الكريم، من ذلك قوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ:

(إن الله أعطى كل ذي حق حقه، ألا لاوصية لوارث)

كما أكمل ـ صلى الله عليه و سلم ـ أحكام المواريث، من ذلك قوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ:

(ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر)

ومنه تحديده ـ صلى الله عليه و سلم ـ لميراث الجدة، وبنت الإبن مع البنت، والأخت مع البنت، وميراث العصبات مع أصحاب الفروض، والإرث بولاء العتاقة، وبعض شروط الإرث.

3 – الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ: وقد اشتهر منهم بعلم الفرائض أربعة: علي بن أبي طالب (ت 40 هـ)، وزيد بن ثابت (ت 45 هـ)، وعبد الله بن عباس (ت 68 هـ)، وعبد الله بن مسعود (ت 32 هـ). ولم يتفق هؤلاء في مسألة إلا وافقتهم الأمة، وما اختلفوا إلا وقعوا فرادى، ثلاثة في جانب، وواحد في جانب ... وعن القفال (ت 336 هـ): أن زيدا لم يهجرله قول، بل جميع أقواله معمول بها بخلاف غيره ".

و قد أجمعوا على بعض الأحكام الأخرى، كميراث الجد عند عدم الأب، وكذا نصيب ابن الابن، ونصيب الأخت لأب.

4 – الإجماع: وهي المسائل المتعلقة بالميراث، والتي اتفق عليها أكثر علماء المسلمين، " وجلها له أصل من الكتاب أوالسنة، بعضها غير قاطع الدلالة على المعنى ". وقد أوردها ابن المنذر في (ت 318 هـ) في كتابه الإجماع، وقد بلغ عدد مسائل الميراث المجمع عليها ثلاث وخمسون مسألة.

وإذا أضفنا إليها مسائل كتاب الولاء، وعددها خمسة مسائل، ومسائل كتاب الوصايا وعددها أربعة عشر مسألة - وذلك لصلتها الوثيقة بكتاب الفرائض حيث تتضمن أحكاما متعلقة بالوصية والإرث – فإن عدد مسائل الباب تصبح إثنين وسبعين مسألة، وإذا علمنا أن عدد المسائل المجمع عليها في الكتاب هي خمسة وستون وسبعمائة مسألة تبين أن المسائل المتصلة بالفرائض هي من أكثر القضايا الفقهية المجمع عليها، مما يبين ثبات أحكام الميراث، لأنها تشريع متصل بالأسرة، وبتدبير تداول المال في المجتمع بشكل سلمي وعادل، كما أنه يبين حرص المشرع على المحافظة على التكافل الأسري، وصيانة الكيان الأسري مما يهدد سلامته واستقراره.

5 - الاجتهاد: ومجاله ضيق هنا للأسباب السالفة الذكر، ويتمثل في ترتيب الورثة، وتفصيل بعض أنواعهم التي أجملها القرآن الكريم، ولم تبينها السنة النبوية الشريفة.

ويبين السهيلي (ت هـ) كيف تتآزر هذه المصادر لإقرارصرح هذا العلم: " قال السلف من علماء الأمة: قد أبقى القرآن موضعا للسنة، وأبقت السنة موضعا للاجتهاد والرأي، ثم إن القرآن أحال على السنة بقوله تعالى:

(وما آتاكم الرسول فخذوه)

وأحال الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ بعدما بين من أصول الفرائض على زيد بن ثابت (ت 45هـ) بقوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ في الحديث:

(وأفرضهم زيد بن ثابت)

فصار قول زيد أصلا عول عليه الفقهاء، واستقر العمل به ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير