فكثير من الناس لا يفهم سبب منع المالك من التصرف في ملكه بعد وفاته، ويعتبرون ذلك تحجيرا على الحرية الشخصية، بل هناك من يعتبر أن هناك تناقضا بين هذا الأمر وحرمة الملكية الخاصة وحمايتها.كما أنهم لا يفهمون لماذا منع المشرع التوارث بين أهل ملتين، وحرمان الكافر، والمرتد من الميراث، فضلا عن استغرابهم لإدخال بعض الأموال والحقوق ضمن التركة،وإخراج بعضها الآخر من التركة، أي مما يجري فيه الإرث،رغم أنهم يعتبرونه مالا متقوما، أو حقا له صلة بالمال.
و لايمكن فهم هذه القضايا، وإدراك الحقيقة و الحكمة، إلا بالرجوع إلى العقيدة الإسلامية، التي هي الأساس الذي تقام عليه الشريعة، فتوحيد الربوبية ينص على أن الله تعالى هو الخالق، والمالك، و المدبر. ويرتبط بتوحيد العبودية أي إنه تعالى هو وحده المعبود بحق، فلما تفرد تعالى بالخلق تعين أن يتفرد بالعبادة. ويرتبط بهما توحيد الحاكمية، أي إنه تعالى لما كان خالقا فإنه أعلم بمن خلق، ومن ثم استأثر بالتشريع رعاية لمصالح وحقوق العباد، فكان سبحانه مصدرا للتشريع والحقوق.
وتتجلى هذه العقيدة في المجال الاقتصادي، حيث يستقر في وجدان الإنسان المسلم أن المال مال الله، لأنه تعالى هو وحده المالك بحق:
(الحمد لله رب العالمين)
سورة الفاتحة، الآية 2.
(وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه)
سورة الحديد، الآية 7.
(وآتوهم من مال الله الذي آتاكم)
سورة النور، الآية 33.
وأما العباد فهم مستخلفون من قبله، يقول تعالى:
(وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة)
سورة البقرة، الآية 30.
أو وكلاء في التصرف، فهم لا يملكون الأشياء ملكا حقيقيا، وإنما ملكا مجازيا، بناء على عقد الاستخلاف، ومن ثم فإنهم لا يملكون التصرف في هذا المال تصرفا مطلقا، وإنما يكون تصرفهم مقيدا بالشرع، فهم يتصرفون وفق إرادة المالك الحقيقي، بحيث يسعى لعمارة الأرض واستخراج ثمراتها، والسعي فيها إصلاحا لا إفسادا.
ويمكن إجمال القواعد الشرعية في ما يلي:
1 - كل حلال أو مباح تكمن فيه المنفعة فهو مال، وكل ما حرمه الشرع وإن كان متقوما فإنه لا يعبر في نظر الشرع مالا، فالخمر والمخدرات،وريع الفسق والفجور، وحصيلة القمار والميسر ليست مالا ومن ثم لا يحل امتلاكه بمختلف أوجه التملك الشرعية، ومن ثم فإنه لا يورث، ولا يوصى به، ولا يوقف.
2 - يتعين أن تكون أسباب التملك شرعية، ويمكن إجمالها في ما يلي:
2 - 1 - العمل.
2 - 2 - الميراث.
2 - 3 - المعاوضات
2 – 4 - الهبات.
2 –5 - الوصايا.
2–6 - الوقف.
2 –7 - الغنيمة.
2 - 8 - إحياء الأرض الموات (استصلاح الأراضي).
2 – 9 - الصدقات.
2 –10 - الإقطاع (توزيع الدولة للأراضي على المنتفعين بها).
3 ـ التصرف في الملك، ونقصد به مختلف أوجه الإنفاق والاستثمار، مقيد بأن يكون في ما يحقق المصلحة الخاصة ولا يلحق الضرر بالمصلحة العامة. وبدون إسراف أو تقتير. وفضلا عن ذلك فإن الاستثمار يتعين أن يكون في الحلال، وفي الضروريات قبل الكماليات، سعيا لإشباع الضروريات، وتحقيقا للاكتفاء الذاتي الذي هو مدخل أساس للتحرر الاقتصادي.
4 ـ حمى المشرع الملكية الخاصة، وقيدها بعدم الإضرار بالجماعة المسلمة، وأوجب على صاحبها فرائض متمثلة في الزكاة، والإنفاق في سبيل الله، وأداء الحقوق للأجراء، والتوسعة في النفقة على العيال وأهل بيته، ومنعه من الإسراف أو التقتير، فالملكية الخاصة بالشروط الذكورة محمية من كل اعتداء سواء بالسرقة أو غيرها من طرق الغش والاحتيال،والنصب والتدليس. ولم يوجب قطع اليد إلا إذا توافر حد الكفاية، أي ما يضمن للإنسان حياة كريمة، لا حد الكفاف.وهو من أرقى ما وصل إليه العالم المتقدم اليوم، ومن أهم الأهداف التي تسعى الدول إلى تحقيقها والوصول إليها. مما حمل المنظومة الدولية على تضمينه الميثاق الدولي لحقوق الإنسان.
ـ[أحمد بزوي الضاوي]ــــــــ[06 - 12 - 06, 11:15 ص]ـ
عملت الشريعة الإسلامية على اعتبار المال مقصدا من مقاصد ها الضرورية وهي الكليات الخمس التي ينبغي أن تراعى وتحمى:
1 – حفظ الدين.
2 – حفظ النفس.
3 –حفظ العقل.
4 – حفظ النسل.
5 – حفظ المال.
ومن ثم نجد التشريع الإسلامي اهتم بتنظيم المعاملات المالية، ووضع التشريعات التي تحمي الملكية الخاصة من كل اعتداء، وبين حدودها، ومنع الإضراربالمصلحة العامة، وحرم الغش والغرر، والتدليس والنصب و الاحتيال، والربا والاحتكار والكنز، وبين الحقوق والالتزامات.
والميراث يدخل ضمن هذا التوجه العام لصيانة المال وتنظيم نقله من جيل إلى آخر بطريقة سلمية، حيث عمل على احترام فطرة الإنسان، فملك نتاج جهده وعنائه طوال حياته لأقرب الناس إليه، وهم أصوله وفروعه، الأقرب فالأقرب.
فالميراث يعمل على نقل ثروة الإنسان لمن يحبه، وفي ذلك تشجيع على الادخار والاستثمار، ولا يخفى على أحد ما لهذين العنصرين الاقتصاديين من أهمية قصوى على اقتصاديات الأمة، فضلا عن تفتيت الثروة، ومنع تكديسها في أيد قليلة:
(حتى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم)
¥